خالد صاغية
الحروب تسبّب التشويش عادة. تشويش يفقد معه المرء القدرة على التمييز.
اختلطت الأمور مثلاً على بعض أهل السياسة. ما عاد بإمكانهم التمييز بين ما هو مطلوب منهم، وبين ما كان متوجّباً على الأمّ تيريزا، رحمها الله. افتتحوا عهداً يتحوّل السياسيّ فيه إلى رجل أعمال... خيريّة. يختفي رجل الخير، ثمّ يظهر. يدلي بحديث، ثمّ يصمت. لا يعاود الحديث إلا للثرثرة التي يُراد لها أن تكون كلاماً. يُنتظَر منه موقف، فيرسل بطّانيّات رُسمت عليها صوره الضاحكة، ثمّ يَعِد ببناء جسر.
اختلطت الأمور أيضاً على المقاومين والصامدين. تكاثرت حكايات الخراب والموت. حكايات تُسرَد لتظهر وحشيّة العدوّ، لكنّ حكاية الموت نفسه، وصورة الميت نفسها تبقى غائبة. حكايات تُواجَه دائماً بعبارة: «كلّو فدا السيّد حسن». كأنّ الوجع للعدوّ، والردّ على الوجع موجّه للعدوّ أيضاً. انتهت فترة الصمود. وما زالت العبارة تتردّد بكثرة، كأنّ لا شيء يهمّ فعلاً. كأنّ لا مجال للخاص بعد اليوم. لا زاوية في البيت يُحزَن عليها. ولا تفاصيل تافهة نتعلّق بها. لا قطعة أثاث بالية تحمل بعض ذكريات لن تبـــاع لنا في الأسواق.
نتناسى أحياناً أنّ «التعويضات» سمّيت كذلك، لأنّها تحديداً لا تعوّض كلّ شيء. وعلى رغم ذلك، ثمّة من يريد أن «يعوّض» تعويضاً عن دوره السياسي. وثمّة من يريد أن «يعوّض» كأنّ حادث سير وقع. و«الحمد لله على السلامة... كلّه حديد بحديد».