سرين قوبا
جديتا قرية بقاعية ترتفع في الجبل ونسيمها عليل صيفاً. يشتهر فيها شارع لا يتعدى طوله كيلومتراً واحداً، يُعرف بشارع حي “الملّاحة” المميز من حيث التنظيم المدني والنظافة والبيئة التجميلية. يقع الشارع الشهير في الطرف الشمالي من جديتا، وتتّصل به ثلاث طرق رئيسية، يختبئ في كنف تلّ يؤلّف حدوده الشمالية، ونهر شتوي يفصل بينه وبين حيّ التلّ.
شارع “الملاحة” اصبح “ملتقى العشاق”، يتجمهر الشبان والفتيات فيه مساء كل يوم، يأتون إليه من جديتا ومن البلدات المجاورة لها. يقصدونه “لأنه برأيهم شارع مفعم بالحياة، وفيه الكثير من السكان والتجمعات الشبابية” كما قال فادي الآتي من تعنايل.
شارع “الملاحة” صار مقصداً ومزاراً لكل عاشق وضجران وزائر... حتى اطلق عليه سكانه اسم “شارع مونو”!! فعند الوصول إليه يفاجأ المرء بالعدد الكبير من السيارات المصطفّة على جانبي الطريق ذهاباً وإياباً، وبسبب زحمة السيارات لا يستطع الزائر السير برفقة احد الى جانبه ولا يستطيع تبادل الكلام مع احد، فالأجواء صاخبة في “الملّاحة”، كما في نوادي شارع مونو البيروتي، والضجيج مرتفع وتعلو من السيارات موسيقى الأغاني الحديثة وأغنيات “الموجة الشبابية” الجديدة حتى ليبدو الشارع استوديو لتسجيل الأغنيات. فهذه السيارة “تكزدر” على وقع الموسيقى الغربية، وأخرى تكاد تدهس كل حيّ يمر أمامها فيما يردد سائقها أغنيات هيفا وهبي. وتمر سيارات يتمايل من فيها على اغاني جورج وسوف. “كوكتيل” من الأغاني يرافق الزائر في كل خطواته، فتطنّ أذناه ويشعر برأسه كأنما يهتز بضربات سلك كهربائي. وعليه أن يكون صبوراً، فازدحام السيارات والزوار يجعل السير في الشارع أمراً صعباً.
شهرة الشارع صارت كبيرة في البقاع، ويعرفه سكان كل البلدات المجاورة. فهو مقصد للتعارف والعشق. ومن أراد أن يتسلى ويموّه عن نفسه ويجمع اكبر عدد من الأخبار والأقاويل، يقصد حيّ الملّاحة.
“الهجمة” الكبيرة على شارع “الملّاحة” في جديتا، بدأت تزعج سكان الحي الجميل، وهم يحنّون إلى أيام كان لا يزال الشارع فيها هادئاً. لذلك، تعالت اصوات الاحتجاج وتدخلت “طوارئ” البلدية فأطلقت حملة تصدّ لهذه “العجقة والضجة”، ومنعت دخول اناس “لا معنى لوجودهم سوى الكزدرة المزعجة” لتفادي المشاكل التي تحصل بين الفترة والأخرى بين الشبان المراهقين بسبب الزحمة “والتشبيح”.
سكان الحي يرددون بغضب: “نريد أن ننعم بشيء من الهدوء في منازلنا، وراحة الفكر والبال، وهذه الحالة من التجمعات والضجة لم تعد تطاق...”.
كيف تحوّل حي الملّاحة إلى “مونو” جديتا؟ لا أحد يملك جواباً عن هذا السؤال، ولا يعرف السكان لماذا يقصده أبناء القرى المجاورة مساء، فأهل “الملّاحة” مشهورن بكرمهم وحسن ضيافتهم لكنهم يعشقون الهدوء والطمأنينة.
تجدر الاشارة إلى غياب النوادي الشبابية ونوادي الترفيه والتسلية عن البقاع، وأن فرص العمل قليلة فيه، لذلك يفضّل شبابه البحث عن “الترفيه المجاني” وزيارة “الملّاحة” تندرج في هذا الإطار.