strong>بعلبك المدرجة على لائحة التراث العالمي لم تسلم من صواريخ العدوان الاسرائيلي، وساد الخوف من أن يدمّر العدوان القلعة الصامدة.
جوان فرشخ بجالي

سمحت عبقرية الرومان الهندسية لهياكل بعلبك بأن تتحدى، إرهاقات العصور والزلازل وكل العوامل الطبيعية، وأن تتحدى أيضاً قصف الطائرات الحربية الإسرائلية. فلم تؤثر الغارات المتتالية للطيران في الهياكل، واقتصرت الأضرار على حجر واحد وقع من أعلى الحائط داخل الباحة المسدسة في القلعة.
وشرح ممثل المديرية العامة للآثار في بعلبك، المهندس خالد الرفاعي هذه الحادثة قائلاً إن «هذا الحجر لم يكن ثابتاً أساساً والشجرة التي نبتت في الصخر وراءه كانت قد أزاحته بارتجاجاتها المتتالية بفعل القصف». أضاف: «إن ضخامة البناء واستخدام الرومان لحجارة أساس يزيد وزنها على طن حال دون وقوع خسائر»، وذلك على رغم أن للارتجاجات التي يولدها قصف الطيران تأثيراً شبيهاً بما تُحدثه الزلازل، ولكن الرومان كانوا قد اعتمدوا تقنيات «مضادة للزلازل» في البناء. فالأعمدة مؤلفة من ثلاثة أجزاء موصولة في ما بينها بقطعة من النحاس تلعب دور النابض الذي يعتمده المهندسون في الأبنية الحديثة، مما يجعل الأعمدة تتأرجح بفعل الارتجاج لكن من دون أن تقعلم يطل القصف الهياكل ولكن المدينة القديمة لم تسلم منه. فالطائرات الإسرائيلية التي استهدفت مبنى تابعاً لحزب الله في السوق دمرت معه عشرة المخازن التي تعود إلى فترة الانتداب الفرنسي، ومنزلين تراثيين مهمين جداً في تاريخ مدينة بعلبك الحديث: منزل جليلاتي، ودار حبيب باشا المطران، أحد أعيان المدينة في القرن الثامن عشر، وكان يستعمل الطابق الأول منه. ومنزل آل المطران فقد قرميده، وتصدعت جدرانه، وتطايرت أبوابه، وتكسر الخشب الدمشقي الملون الذي يزين سقفه، وأصبح خطراً على زائريه وسكانه فهجروه ولجأوا الى مدرسة قريبة.
ويؤكد الرفاعي «أن ترميم هذه الدار من أولويات المديرية العامة للآثار في بعلبك، وسيدرج على لائحة الجرد العام، وترصد ميزانية هذه الأعمال من مشروع البنك الدولي لحماية وتنمية الإرث الثقافي الذي نحتاج إليه اليوم أكثر من أي وقت».
مشروع البنك الدولي هو قرض طويل الأمد كانت الحكومة اللبنانية طلبته لتأهيل وتنمية السياحة في خمسة مواقع أثرية ومدن تاريخية هي صور وصيدا وبعلبك وجبيل وطرابلس. ويقول الرفاعي «إن الدراسة المفصلة التي سبقت تنفيذ هذا المشروع قسّمت الأعمال في مدينة بعلبك إلى قسمين، يرتبط الأول بالموقع الأثري فيما يهدف الثاني الى ربط الآثار بالمدينة القديمة عبر مسارات سياحية مرممة تشجع الزائر على التجول في هذه الأحياء والأسواق. ويدرج ترميم منزل آل مطران في هذا الإطار. أما بالنسبة إلى المحلات التجارية التراثية المدمرة، فستخضع الأعمال فيها إلى قوانين الترميم المتبعة، وتتكفل الجهات المعنية بالتكاليف».
في شهر تموز الماضي شهدت مدينة الشمس سلسلة من الاكتشافات الأثرية من مقابر محفورة في الصخر ومنازل وسور المدينة القديم وأرضيات مغطاة بالفسيفساء، اكتشفت خلال العمل على إنشاء مجار لمياه الشفة والصرف الصحي. ويلفت الرفاعي إلى أن: «هذه الاكتشافات تخولنا إنشاء خريطة المدينة الأثرية الكاملة. فنحن لا نعرف حالياً إلاّ الآثار الظاهرة للعيان، لكن بعد فترة وجيزة من الزمن، سنحدد امتداد المدينة في العصور الغابرة، وقد نظهر بعض هذه الآثار في «حدائق أثرية» مثل حديقة الفسيفساء التي ستقوم في ساحة خليل مطران».
بانتظار هذه المشاريع وغيرها، تبقى مدينة الشمس خالية من السياح والزوار ، بينما يستمر العمل لتفكيك مدرجات المهرجانات. وفي الهياكل، يرجع الصدى سؤالاً يطرحه السكان: «لم تنل الحرب لا من الآثار ولا منا، فلم لا نحتفل بالحياة ولو بسهرة واحدة أمام معبد باخوس الصامد؟”.


هربوا من الموت فسكنوا المغاور
خلال الحرب الاخيرة لجأ نازحون من مدينة بعلبك الى مغاور سكنها البشر منذ آلاف السنين واستعملوها لدفن موتاهم. هذا الموقع “الاثري” في قلب الأحياء السكنية، وهو مهمل تماماً ويستعمله سكان الابنية المجاورة مكبّاً للنفايات ومكاناً لتحويل الصرف الصحي. ولم يكترت اللاجئون للروائح الكريهة ولا للنفايات، فقد كان الصخر يمنحهم شعوراً بالأمان. وبحسب شهود عيان، تقاسم النازحون المغاور بحسب العائلات، ومدّوا التيار الكهربائي، وافترشوا الارض واتخذوا من المقابر المحفورة في الصخر اسرّة للنوم. وعندما أعلن وقف العمليات العسكرية، غادر النازحون تاركين الكهوف على حالها. وما من مشروع يهدف الى تأهيل الموقع لإدراجه على الخريطة الاثرية والسياحية لمدينة بعلبك. يقول خالد الرفاعي، ممثل المديرية العامة للآثار: “لا يستطيع أيّ من المشاريع المنفذة الآن في بعلبك أن يتحمّل تكلفة استملاك هذه المقابر وتأهيلها، لذلك ستترك على حالها الآن بانتطار غد أفضل”.