رامي بليبل
أمام سور مدارس المبرات في الهرمل اجتمع أولاد ومراهقون، انكبوا على الحائط ليرسموا “جدارية لبنان المحبة والقوة والحرية والسلام”.

الجدارية هي المشروع الذي حلم به فتية وفتيات وصمموا تفاصيله في مخيلاتهم حينما كانوا في ملاجئ ومخابئ يتابعون عبر شاشات التلفزة أخبار العدوان الذي أراد تقطيع أوصال بلدهم.
توقفت نيران العدوان الاسرائيلي فخرج المراهقون والصغار إلى الحرية من جديد.
تركت منار حميدان (15 سنة) عائلتها وهاتفت رفاقها وطلبت منهم التجمع أمام المدرسة وأخبرتهم بمشروعها، حمل بعض أبناء الهرمل ريشهم وأقلامهم وعلب تلوين اشتروها بما وفّروه من مصروفهم، ووصلوا في الموعد المقرّر، اتفقوا على التفاصيل، ووزّعوا الأدوار وانطلقت عملية التنفيذ.
كانوا يعملون لبعض الساعات يومياً وأنهوا أخيراً جداريتهم التي تجسّد “كل ما يؤمنون به من قيم الخير والمحبة والعدالة وحق الإنسان في الحياة” كما يقولون.
ينظرون بفخر إليها، يشعرون بأن ما رسموه مهم جداً “على رغم أن عناصرها بسيطة وهي حمامة السلام واليد القوية المعطاءة الممدودة للجميع والوردة الحمراء رمز الحرية والمحبة والتفاني والاستشهاد”.
الفنان التشكيلي حيدر قانصوه ومنسق الفنون في مدارس المبرات ــ الهرمل، تابع تنفيذ الجدارية ورأى أن “هذه الجدارية لوحة رائعة التنفيذ والمضمون”، ولفت إلى أنها “المرة الأولى التي يرسم فيها صغار في البلدة جدارية عرضها ثلاثة أمتار وطولها متر ونصف متر”.
قانصوه أبدى إعجابه بالجدارية لأنها نفذت بتقنية عالية “واستخدم الرسامون الصغار ألواناً ذات دلالات تضج بالحياة، وأحسنوا اللجوء إلى تدرج الألوان”، وأكد أن هذا العمل يعتمد على تبادل الأفكار ويظهر روح التعاون بحيث نفّذ الرسامون الصغار ما ابتكروه على “الكروكي” على جدارية خاصة بهم.
تنفيذ الجدارية في الهرمل يزيد من أهميتها، فهي بلدة تعاني إهمالاً رسمياً منذ عقود طويلة، وتحتاج إلى عشرات المشاريع التنموية، وفيها نسبة مرتفعة من الفقراء، ومن البديهي في هذه الحال أن تغيب النوادي المتخصصة عنها، فعشاق الرسم من الصغار لن يجدوا فيها محترفاً لصقل مواهبهم، أو للتعرف بشكل علمي على الفنون التشكيلية، وعلى هؤلاء الصغار الاكتفاء بدروس الرسم ضمن المناهج المدرسية.
من خلال الجدارية رسم هؤلاء الفتية ما يؤمنون به من رفض لكل مفاهيم الحرب والدمار والأسر والاعتقال، وكأنهم يريدون القول لكل العابرين من أمام الجدارية التي تكاد لا تغيب عنها أشعة الشمس “إنهم هم أيضاً عاشقون للحرية والحياة الكريمة والسلام العادل القوي، ومدافعون عنها، والبداية جاءت بأمضى سلاح فما يخرج من القلب لا بد من أن يدخل مباشرة إلى القلب ويفعل فعله”، تردد منار ورفاقها.
في الليلة الأخيرة لورشة الرسم لم يبرح الفتيان المكان، ظلوا هناك منهمكين في التخطيط لـ“مشاربع” جديدة تجسد مفاهيم أخرى تخدم قضاياهم. وقد تتنوع هذه القضايا بين الهموم الوطنية وأهمية المقاومة، أو تطال شؤون التنمية الغائبة عن بلدتهم وعن مناطق واسعة من لبنان.