المشكلة الأساسيّة لدى الانسان المعاصر، وخصوصاً في عصر العولمة والمعلومات، هي مشكلة التواصل بحدّ ذاته. ودائماً ما كان يحاول اختراع ما يسهّل له هذا التواصل، إلّا أنّه يصطدم بعوائق كثيرة. لعلّ فكرة التواصل هي الأساسيّة في الفكر الثقافي، فالثقافة والمعلومات تشكّل مادّة أساسيّة للتواصل بين الأشخاص بلا حواجز. الثقافة مجرّدة، تمنح الانسان الفرصة للتواصل مع غيره من دون صعوبة، شرط توافر المادّة. أمّا أعضاء «اللقاء الثقافي»، فيحاولون في نشاطاتهم، وتحديداً في معرضهم الجوّال للكتاب، توفير هذه المادّة لسكّان قضاء زغرتا، ويحاولون فتح مجال جديد، وطريقة جديدة للتواصل مع النّاس. هذا ما يؤكد عليه منظّم المعرض، وعضو في مجموعة «اللقاء الثقافي» نزار عاقله، مضيفاً: «هدفنا الأساسي هو التواصل مع سكّان البلدات الواقعة في قضاء زغرتا، وتوسيع هامش التواصل بين أعضاء اللقاء وأولئك النّاس، من خلال الكتاب».«معرض الكتاب الجوّال» كما يدلّ عليه اسمه، انطلق أخيراً، ليتجوّل بين قرى قضاء زغرتا، حيث يقضي كلّ سبت في بلدة، على أن يزور 52 ضيعة في 52 أسبوعاً، أي أنّه يستمرّ على مدى سنة كاملة. افتتح المعرض نشاطه في 23 نيسان (أبريل) 2016، في مناسبة اليوم العالميّ للكتاب، في بلدة عرجس، وانتقل السبت الذي يليه إلى بلدة بنشعي، ثمّ إلى أصنون، حيث لاقى نجاحاً وشهد عدداً كبيراً من الزائرين، وقد تخلله عدد من القراءات من كتّاب وشعراء محليين، بالتعاون مع وزارة الثقافة واتّحاد بلديات قضاء زغرتا. أمّا محطته القادمة، فستكون في بلدة قره باش، يوم السبت 14 أيّار (مايو). كيف وجدتَ فكرة المعرض؟ اللّافت في بلدات القضاء أنّه رغم قربها الجغرافي بين بعضها، والتقارب الفكري لأبنائها، لا يوجد صلة وصل متينة بين البلدة والأخرى. لذا قرّر أعضاء «اللقاء الثقافي» تحويل معرضهم السنوي للكتاب، في فصل الصيف، إلى معرض مستمرّ طوال السنة ومتجوّل في الضيع، محاولاً شدّ الرباط بينها عبر الكتاب. هذا المعرض هو بمثابة تشجيع، وتأكيد، وتذكير النّاس بأهميّة الكتاب بخاصّة، والثقافة بعامّة، وأهمّيته على صعيد التواصل الفكري والاجتماعي. يهدف المعرض في جوهره إلى التقرّب من النّاس بطريقة سلسة وراقية، ويمنح فرصة للتلاقي بعيداً عن ضجيج المدن وضغط الحياة. كما أنّه يفسح المجال للتحاور والتعبير عن الرأي، والتفاعل مع الآخر، وتفهُّم وجهة نظره.
منذ الحادية عشرة صباحاً حتّى الثامنة مساء، يتناوب أفراد اللّقاء على العمل، إلى أن يأتي زائر إلى المعرض: يساعدونه حتّى يجد طلبه بين الكتب العديدة. ثمّ يعودون الى الطاولة الصغيرة، محاولين إيجاد موضوع يتناقشون به، في حين تملأ رائحة القهوة والمتّة المكان، وترصد الكاميرا كلّ حركة. جلسات بسيطة كهذه تمنح هؤلاء الأشخاص الأمل، الذي هو أساس استمرارهم في عملهم. الأمل، والتمنّي بأن يستطيعوا تغيير شيء صغير في نفس كلّ زائر، مؤمنين بأنّهم لا بدّ من أن يحصدوا ما زرعوا من معرفة، مهما طال الزمن.