إلى «زيتوناي باي» ذهبنا واكتشفنا ما يخبئه لنا «العيد» مطلع هذا الصيف. «زيتوناي باي»، لمن لا يمتلك الثقافة الكافية، هي التسمية الـ INN، المعولمة، لميناء «الزيتونة» وسنسولها. من «نادي اليخوت» تحديداً أطلق برنامج «عيد الموسيقى» الذي يقام في الحادي والعشرين من حزيران/ يونيو للمرّة الـ 16، في بيروت (مع تفرعات في جونيه، ودير القمر، والبترون، وطرابلس وزحلة والكحالة وصيدا). لقد وضعت السفارة الفرنسيّة في لبنان ثقلها هذا الموسم، ككلّ موسم وأكثر، في اعطاء «عيد الموسيقى»، السادس عشر في وطن العسل والبخور، هالته ورونقه. تشترك معها سفارات أخرى طبعاً، الأوروغواي وإيطاليا وسويسرا والبرازيل: عازف بيانو (جاز) من هنا، وتينور من هناك، أو تريو جاز، إلخ. لكن النكهة فرنسيّة: التنظيم والاطار والفكرة، تحمل بصمات السفارة مشكورة. أي إن اللمسة الفرنسيّة تتجاوز الحضور الموسيقي الذي يتمثّل في فريق الاندي بوب «بادن بادن»، وعازفة البيانو (كلاسيك) ميليسا برويو، إلى المبادرة، والرؤيا والقيادة، تحت اشراف المنسق العام ميشال بوليكيفيتش. بشراكة «سوليدير» طبعاً، وقد كان منير دويدي المدير العام لشركة «سوليدير» أحد المتحدثين القليلين بلغة الضاد في «نادي اليخوت» أمس: «صوت الموسيقى أقوى من ضجيج السياسة»، قال. وشعار هذا العام عالميّاً «الموسيقى أقوى». والعيد الفرنكوفوني يقام برعاية أحد المصارف اللبنانيّة، وقد تحدث رئيس مجلس ادارته بالعربيّة هو الآخر، ليقول إن الموسيقى هي «اللغة العالميّة الأولى للتواصل والتلاقي بين كل شعوب الأرض».بالأمس، كان يصعب على من يتابع وقائع المؤتمر الصحافي، أن يتابع أي شيء إن لم يكن فرنكوفونيّاً. «عيد الموسيقى» اللبناني حدث وطني وعالمي، بنكهة فرنكوفونيّة. ستكون هناك «رمضانيات» في «البيال» طبعاً (الكمنجاتي، كفاح المصري…)، لكن المزاج فرنجي برنجي! دائماً هكذا يبدو «التعاون» بين الشمال والجنوب، ونخاف أن يأتي على حساب الثقافات المحليّة. السفير إيمانويال بون الذي قدم الاحتفالية، معروف بتماسه مع الناس وانفتاحه وتواضعه وهاجسه الميداني واقترابه من الحياة اللبنانيّة، فكيف خفيت عليه، هو المستعرب، ضرورة اضفاء هالة وطنية على الحدث؟ لكن هل نعتب على سعادة السفير، في غياب الشريك الوطني (وزارتي الثقافة والسياحة) الذي يفترض به أن يملي الشروط بحسب المصلحة الوطنيّة؟ هل لدينا دولة تحترم نفسها اصلاً؟ حتى وزير الثقافة اللبنانية روني عريجي تحدث بالفرنسية، متل الشاطر (تصوّروا وزير الثقافة الفرنسية يتحدّث بالتركيّة مثلاً، على أساس أن تركيا شريك فرنسا في «الربيع العربي»!). وشكر «سوليدير» على تقديمها الفضاءات والساحات. على أساس «ملك أبوها» الساحات لتتكرّم بها علينا! علماً أنّه لحظ في كلمته أن اقامة الاحتفالات في وسط بيروت، تحمل رسالة واضحة أن وسط بيروت لجميع اللبنانيين. كيف يعني لجميع اللبنانيين معاليك؟ هل خطر لأحد معارفك أن يتنزه في وادي أبو جميل ذات أحد ربيعي مشمس وصولاً إلى «بيت الوسط»؟
في كل الاحوال، لن نتهافت على استئجار الشقق (أو شرائها) في وسط بيروت، كلّها ليلة وتمضي. تعالوا لا نفسد الفرحة إذاً: على البرنامج (بالفرنسيّة) فرق لبنانيّة لافتة مثل جويل خوري فيليب الحاج، فرقة الكونسرفاتوار الوطني، مدرسة «غسان يمين»، «طنجرة ضغط»، «مدينة»، «نشاز»، «شو الوضع»، ياسمينا نحاس، والقائمة تطول بين روك وبوب وموسيقى العالم وروك بديل، والبلوز والجاز والشعبي والطرب والكلاسيك والسامبا والبوسا نوفا. تتوزّع المواعيد البيروتية على كنائس الكبوشيّة والفرير والانجيليّة، وعلى فوش اللنبي، والزيتونة، وأسواق بيروت، والبيال، والحمامات الرومانيّة، إضافة إلى حانات وفضاءات عامة في الحمرا (صالون بيروت) والصيفي ومار مخايل (راديو بيروت) والجميزة والجعيتاوي، تحتضن النشاطات الموازية. نشير طبعاً إلى عازف اليانو السويسري مارك بيرنو الذي يعشق لبنان (اسطوانته الاخيرة بعنوان «حمرا»)، تينور من الاوروغواي لبناني الاصل ايمه ادواردو فليتاس أمير، تريو الجاز «جاسمين» من إيطاليا، ٣ فرق برازيليّة: «بلوكو روبرا روزا»، «بندا انديبانسيا» ونعيمة يزبك.
أما مفاجأة الموسم، وقد أعلن عنها السفير إيمانويل بون في «نادي اليخوت» أمس، فستكون حضور جاك لانغ، رئيس «معهد العالم العربي» في باريس، ليقاسمنا احتفالاتنا، ويستقبل معنا صيف لبنان الذي سيكون حارقاً. إنّه مؤسس «عيد الموسيقى» الذي انطلق من باريس قبل 35 عاماً، ليغزو العالم. كان لانغ يومذاك وزير الثقافة الفرنسي الاشتراكي المحبوب، في العهد الأوّل للرئيس فرنسوا ميتران. سقى الله تلك الأيّام، هذا كل ما بقي لنا من التركة!