تمنح «الجامعة الأميركية في بيروت» اليوم الدكتوراه الفخرية لشخصيتين بارزتين في تقليد سنوي يتزامن مع الاحتفال الذي تقيمه لتخريج دفعة جديدة من طلابها. هذه السنة، وقع الخيار على اسماعيل سراج الدين (معماري وناشط إنساني وكاتب من مصر) وبيتر سيلرز. نتناول في ما يلي الشخصية الثانية لناحية مساهمتها المهمة في مجال إخراج الأعمال الكلاسيكية الغنائية.
بيتر سيلرز (1957) فنان أميركي شهير يُعَدّ اليوم من أبرز المخرجين الذين قدّموا رؤية طليعية ومعاصرة وحتى مثيرة للجدل لأعمال كلاسيكية غنائية غربية، أي تلك الأوبرالية عموماً لا حصراً. لسيلرز إنتاج إخراجي في السينما (فيلم واحد) والمسرح، لكنّ المجال الذي أحدث فيه إنجازات كماً ونوعاً هو الأوبرا. في هذا السياق، تُقسَم مساهمة الرجل الغريب الأطوار (بدءاً من تسريحة شعره النيو- بانكية إلى ثيابه وأكسسواراته المزركشة) في مجال الأعمال الغنائية الكلاسيكية إلى قسمَين: تلك الأوبرالية (حصة الأسد) وتلك الغنائية التي تروي قصّة محددة من دون سينوغرافيا وتمثيل (أو ما يُعرَف بالـ «أوراتوريو»، وهي بدورها قسمان: ديني ودنيوي) ويمكن إضافة تلك ذات الطابع الهجين («حكاية العسكري» للروسي الكبير إيغور سترافينسكي). في مجال الأوبرا، تتألف تجربة سيلرز من قطبَين: الأعمال الكلاسيكية التقليدية إذا صحّ التعبير (على رأسها من دون منازع روائع موزار، ثم هاندل وغيره) والتجارب المعاصرة والحديثة (لمؤلفين مثل جون آدمز بشكل أساسي ثم غيورغي ليغيتّي وغيرهما).

أما من ناحية الأعمال الغنائية غير الأوبرالية، فالعلامة الفارقة أحدثها سيلرز من خلال مغامرة غاية في الدقة خاضها في السنوات الأخيرة وهي «مسرَحَة» قمّتَي الأعمال الدينية الغنائية في تاريخ أوروبا، أي تحفتَي المؤلف الألماني باخ: «الآلام بحسب القديس يوحنا» و«الآلام بحسب القديس متّى». وهذه الأخيرة عُرِضَت (بالصوت والصورة لا بشكل حيّ) في «الجامعة الأميركية في بيروت» بحضور مخرجها قبل سنتين.
الغوص في أسُس تجربة سيلرز في عالم الإخراج المسرحي/الأوبرالي مسألة تحتاج إلى صفحات. لكن من رؤاه المعاصرة لثلاثية موزار («دون جيوفاني»/«عرس فيغارو»/«كوزي فان توتي») إلى رؤيته الجريئة والعميقة روحياً لـ «آلام» باخ، إلى «نيكسون في الصين» و«موت كلينغوفر»، استطاع المسرحي الأميركي مسْح الغبار عن أعمال قديمة وتقريبها من مجتمعاتنا الحديثة من جهة، ومواكبة النتاج الأوبرالي الجديد بما يحمل من رسائل ومواقف تخص قضايا اجتماعية وسياسية وفكرية راهنة من جهة ثانية. أما ما ننتظره في المستقبل فهو أن يحزم أمتعته وعدة شغله الحديثة ويسافر إلى مجاهل «الناي السحري» لموزار ويعود إلينا برؤيته المعاصرة لقمّة الأوبرا الجرمانية.

8:30 مساء اليوم ـــ «الجامعة الأميركية في بيروت» ــ للاستعلام: 01/759685