يقول المثل إن «سنونوة واحدة لا تصنع الربيع». لكن ندى سردوك كان لها رأي آخر، حين قدّمت نورا جنبلاط أمس، في المؤتمر الصحافي المخصص لإطلاق الدورة الثانية والثلاثين من «مهرجانات بيت الدين الدوليّة». فالمديرة العامة لوزارة السياحة وصفت الست نورا بأنّها «السنونوة التي تصنع الربيع (…) ربيع المهرجانات، فهو أفضل من ربيع السياسة».
ولعلّ سردوك محقّة مرّتين: في تقويم الربيع العربي الذي انقلب كابوساً عظيماً، وفي تشبيهها نورا جنبلاط بالسنونوة، هي التي كانت السباقة، كالعادة، في افتتاح موسم الإعلان عن مهرجانات الصيف اللبناني. الجديد هذا العام بالنسبة إلى الصحافيين المحتشدين في القاعة الزجاجيّة لوزارة السياحة المطلّة على شارع الحمرا، أمران: الأوّل اختفاء الملف الصحافي الشهير داخل ملف الكرتون، لتبقى البسمة الأسطوريّة لحارسة الهيكل ماجدة رزق الله وهي تناولك الطوطم السحري (usb) الذي يحتوي على كل المعلومات.
أما العنصر الآخر المستجدّ، فهو أننا اكتشفنا أمامنا على المنصّة وافدين جديدين: هما وزير السياحة أواديس كيدانيان ووزير الثقافة الدكتور غطاس خوري اللذين لم يمض مئة يوم على تسلمهما مهماتهما الوزارية. الأول اعترف بأنّه «جديد على الكار» وأنّه يتعلّم (على حسابنا يعني؟)، والثاني انطلق مباشرة في مشاريع ترميم قصر المير بشير الشهير، وورط زميله في السياحة بمهمّة إضاءة القصر، فتحفّظ الأخير بعدما قال له «بتمون». وعلى سؤال وجّه إليه من القاعة: من أين ستأتي بفلوس الترميم؟ أجاب الدكتور بلغة الألغاز على طريقة أرسين لوبين: «800 ألف دولار تبرّع من جهة خارجيّة» (ولع وزير الثقافة بالمساعدات الخارجيّة، جعله يستند إلى تقرير «تبرّعت به» أيضاً مؤسسة أميركيّة هي «بوز آلن هاملتون» حول كيفية إحياء الثقافة في لبنان). وختم وزير الثقافة: «التراث بحماية القانون»، من دون أن يحدد إذا ما كان المبنيان المهددان في الجميزة ومار نقولا
ضمن هذا التراث. الحسنة الكبرى أن مداخلة الوزيرين تميزتا بالقصر، وأمكننا أن ننتقل بسرعة إلى برنامج «بيت الدين».
لكن، حين جاء دور السنونوة، لم يكن كل ما تبشّر به ربيعاً: «منذ 32 عاماً راهنّا على مواجهة الحرب بلغة الحياة والتعددية (…) ثم جاءت مصاعب البقاء». وقالت إن «صناعة الفرح ليست مسألة سهلة»، قبل أن تدقّ ناقوس الخطر: إن عبء الضرائب بات قاتلاً «يوازي 35 في المئة من ثمن البطاقة (…) كأنّها محاولة للقضاء على دور لبنان الثقافي والسياحي». وختمت: «عساه لا يكون الموسم الأخير من مهرجانات بيت الدين»… بعد 32 سنة من الصراع مع التحديات، نحن نشكو من «المصاعب المادية، وانعدام الرؤية الشاملة»…
نصل إلى البرنامج. عشاق الجاز والكلاسيك والروك سيبقون على نهمهم هذا الصيف. اختار المهرجان ما هو متاح من الأسماء المضمونة التي «تعجب» وتستقطب، وأفسح المجال للفن اللبناني والعربي على أنواعه: المكرّس والشبابي والمعولم، إضافة إلى موسيقى العالم والرقص الحديث السهل هضمه من قبل الجمهور الواسع… وأخيراً الإيكزوتيك الذي يجمع بين الموسيقى القروسطيّة الأوروبية والتراث العربي. الافتتاح أوّل تمّوز/ يوليو مع الشاب الفلسطيني العشريني، ابن نابلس الذي بدأ طالب عمارة في بريطانيا قبل أن يختار فرانك سيناترا. سيكتشف الجمهور عمر كامل، «سيناترا الفلسطيني» يقال، لشبه مع صوت الكرونر الأسطوري، وهو يغنّي بكل اللغات من مايكل جاكسون إلى… الأخوين فليفل. و«الربيع العربي» السيئ الذكر سيكون له ممثلته الشبابيّة: المغنية آمال المثلوثي الآتية من تونس مع «كلمتها الحرّة» (21 تموز). وطبعاً هناك الموعد الثابت الذي لا بدّ منه («هيدا أهم شي» تنهّدت شابة ثلاثينية متلبكة بفستانها، وهي تهمس لزميلتها): إنّه كاظم الساهر «قيصر بيت الدين» (28 تموز). ومسك ختام البرنامج سيكون أمسية مع ماجدة الرومي، إحدى الأيقونات المخضرمة الباقية من زمن جميل، في برنامج بعنوان «لا تسأل» كما في قصيدة «قبّانيّة» لسعاد الصباح التي لحّنها مروان خوري (12 آب/ أغسطس).
عشّاق الباروك وموسيقى النهضة والقرون الوسطى، لحظة اللقاء مع التراث العربي الإسلامي عليهم أن يحجزوا ليلة الخامس من تموز لسهرة مع جوردي سافال الذي سيقودهم في «رحلة عبر الزمن» على خطى «ابن بطوطة». ومن نسمات الزمن الجميل «باليه إلى الأبد» لموريس بيجار في ذكرى رحيله العاشرة، من تقديم «فرقه باليه لوزان» التي يقودها تلميذه جيل رومان (14 و15 تموز). ولن ننسى الموعد الخاص مع «بينك مارتيني» الفرقة الأميركيّة التي تستعيد أغنيات العالم بطريقتها في الأداء والاستعراض (19 تموز).
أما نصيب «بيت الدين» مع الاستعراض الفنّي الذي يجمع بين التجريب والكاباريه والفرجة الشعبية والسخرية السياسيّة، فسيكون مع هشام جابر وفرقته، في عمل جديد بعنوان «السيرك السياسي» (3 و4 آب). إنها المرّة الثالثة التي يضع المهرجان ثقته بهذا المبدع المغاير الذي يقف على حدة في الفن اللبناني، بعد «هشك بشك» و «بار فاروق».