القاهرة | خلال السنوات الست الأخيرة، لا يمرّ عام دراسي إلا وتشهد أستاذة الأدب الإنكليزي في «جامعة السويس»، منى برنس (1970 ــ الصورة)، قراراً بالإيقاف عن العمل، جرّاء ممارستها لحرّيتها، سواء الأكاديمية أو الشخصية. أخيراً، قرّر مجلس الجامعة إحالة برنس على التحقيق، بعد نشرها فيديو لنفسها وهي ترقص على أنغام أغنية روبي «ليه بيداري» على صفحتها الشخصية على فايسبوك، إضافة إلى نشر بعض طلاب الجامعة صوراً شخصية لها، التقطت منذ فترة، مرتدية لباس البحر.
البداية لم تكن مع مقطع فيديو الرقص، وإنّما كانت في الفصل الدراسي الأوّل من العام الحالي، حين كلفت برنس بتدريس مادة تاريخ الأدب الإنكليزي لطلاب كلية الآداب في «جامعة السويس»، وتوقفت أمام القرن السابع عشر ورائعة الشاعر جون ميلتون «الفردوس المفقود»، التي تحكي عن نزول آدم وحواء إلى الأرض وقصتهما مع الشيطان حسبما تذهب الروايات الدينية. وقتها، طلبت الأستاذة من طلابها الاطلاع على قصيدة أمل دنقل «كلمات سبارتكوس الأخيرة»، ورواية نجيب محفوظ «أولاد حارتنا»، لمقارنة صورة الشيطان بين الأعمال الثلاثة، كنوع من التحفيز على القراءة والاطلاع على رؤى حضارية وثقافية مختلفة. إلا أن بعض الطلاب توّجهوا إلى رئيس القسم في الكلية، محمد مازن، وأبلغوه أنّ برنس تمدح «الشيطان». أمر ترتب عليه إحالة صاحبة «اسمي ثورة» على التحقيق بتهمة «الخروج عن المقررات الجامعية»، وترتب عليه منعها من تدريس المادة لبضعة أسابيع من الفصل الدراسي الثاني. ورغم التزام صاحبة «حياة ومغامرات الدكتورة م» بالقرار، قرّرت إدارة الجامعة لاحقاً تمديد فترة المنع لفصل دراسي كامل!
هنا، لم تكتف المؤسسة الأكاديمية بالاستعاذة من «شيطان ميلتون»، فقرّرت مطاردة «ملائكة الرقص»، معتبرة أن ممارسة الرقص في الحفلات أو في المنزل خروج عن «الأعراف والتقاليد الجامعية». ورأت أنّ في ارتداء المايوه على الشواطئ «جريمة شرف» تستحق الثورة والغضب، فضلاً عن شحن الطلاب على مواقع التواصل الاجتماعي للاعتداء اللفظي وتهديد صاحبة «إنّي أحدثك لترى»!
هذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها برنس أصوليي المدينة التي كانت معقلاً لمقاومة الاحتلال. في 2013، أطلق بعض طلاب كلية التربية في «جامعة السويس» دعوة فايسبوكية لطرد أستاذة الأدب الإنكليزي من مكان عملها، متهمين إيّاها بـ«ازدراء الإسلام» خلال محاضراتها. دعوى منعت على إثرها منى من التدريس لعام واحد! (الأخبار 15/4/2013).
من جهتها، اعتبرت وسائل الإعلام المصرية قصة رقص أستاذة جامعية مادّة خصبة للإثارة وكسب المزيد من الـ «رايتينغ». بعضها انحاز لموقف الجامعة، فيما تصنّع آخرون الحياد، في محاولة لإخفاء الموقف الحقيقي لكثير من العاملين في الإعلام من ممارسة الحريات الشخصية. وفي الوقت الذي ينكشف فيه تفاقم محاكم التفتيش داخل المؤسسات الأكاديمية المصرية وتفشي الرجعية بين أعضاء هيئات التدريس على طول مصر وعرضها، تفضح أزمة برنس أيضاً الموقف الرجعي من طبقات عريضة من المجتمع تجاه الرقص، بوصفه عملاً «غير أخلاقي». أمر تلخّصه سخرية الممثل الراحل سعيد صالح في مسرحية «العيال كبرت»: «بنتك هترقص يا أبو سوسو»!