تبتعد كريستيان جاد فالغرن عن الواقع المعيش، وواقع الرسم على السواء. معرضها الفردي الأول في لبنان «نوكتورن» الذي افتتح أول من أمس في غاليري «392rmeil393» (الجميزة ــ بيروت)، يتضمّن 31 لوحة زيتية، إلى جانب 13 لوحة مائية منشورة ضمن كتيب صغير، تمزج فيها أجواء الحلم الطفولي.
موسيقى فريدريك شوبان رافقتتها لسنة كملة خلال فترة رسم اللوحات، فحمل المعرض اسم مقطوعة الموسيقي البولندي الفرنسي الشهيرة «نوكتورن». الفنانة اللبنانية التي شاركت في السابق في معارض جماعية، وأقامت معرضها الفردي الأول في السويد قبل سنوات، تحافظ على الأجواء الطفولية الحالمة، مستعيرة من رسومات الأنيمايشن بساطتها وتسطيحها. تسيطر تدرجات الأصفر والأزرق والأخضر على عدد من اللوحات. تخفف الألوان الزيتية ورصانتها تاركة انطباعاً لدى المتفرّج بأنها مشغولة بالألوان المائية. في النص المرفق في المعرض، كتبت الفنانة اللبنانية: «أهلاً وسهلاً إلى عالمي التأملي، إلى عالم من الأحلام والشعر، بعيداً عن الواقع المروّس والحادّ». أجواء التأمل والحلم تتراءى في كل اللوحات، التي تظهر شخصاً أو اثنين، بينما تخلو أحياناً من الوجود البشري بالكامل. يبدو الوجود البشري ضئيلاً أمام الكون الهائل، والمساحات الأخرى المخفية والمفتوحة أمامه. لدى فالغرن قدرة على إيجاد متنفسات كثيرة وبسطها أمام الشخوص. تحيط بهم البقع الصفراء والزرقاء وعناصر الطبيعة من كافة الجهات. «لوحاتي ليست عن العزلة والشعور بالوحدة، بل عن الاتحاد مع الكون» تقول الفنانة الآتية من خلفية في التجميل وفنون الماكياج. كائناتها تستقل عصفوراً للتنقل، وتعتلي غيمة لتقرأ، وتصعد سلماً إلى القمر، وغيرها من العناصر الطبيعية. تهدف الفنانة إلى خلق أجواء مريحة من خلال البساطة، التي تعتقد أنها تحتمل العمق، إذ أنه «على اللوحة التي ستعلّق في المنزل أن تكون قريبة ومريحة للناس، وأن تخلق علاقة قريبة معهم». في سعيها إلى السكينة والهدوء والسلام، تجرّد فالغرن لوحاتها من تعقيدات كثيرة، وتذهب بها إلى التسطيح التقني والمشهدي. «هذه الوحدة ليست حزينة، بل إنها تعكس رحلة باتجاه أبعاد أخرى، وشعوراً بالاتحاد مع الكون. شعور يغلفنا مثل بطانية». الأبعاد التي ترمي إلى فالغرن إلى تظهيرها، تخرج بشكل حرفي من اللوحات، بالقمر الذي يتمدد على المساحة الأكبر من اللوحة، والشجرة العملاقة التي تظلل البشر وتكبرهم. يتخذ الليل مكاناً أساسياً في اللوحات. لكنه ليل وضاء ومشرق بوصفه ركناً للصفاء حيث الملائكة تعزف موسيقاها بالقرب من القمر في إحدى اللوحات. تولي فالغنر اهتماماً بالمشهد المكتمل ما يجعلها تتخطى الاهتمام بتقنياتها، وتمرير الثغرات اللافتة التي تصيب الأجساد والظلال.
* «نوكتورن» لكريستيان جاد فالغرن: حتى 7 أيلول (سبتمبر) ــ غاليري «392rmeil393» (الجميزة ــ بيروت). للاستعلام: 01/567015