«كل ما تبتسموا تبقوا تذكّروني»، وصية نشرها أول من أمس، مديرو صفحة «جاكو-Jaco»، على فايسبوك، بعد انتشار خبر رحيل صاحبتها جان دارك زازير (94 عاماً). على نسق أغنية فيروز «الله معك يا هوانا»، وتحديداً المقطع الذي يقول «كل ما حبّوا اتنين ضلوا تذكرونا»، توصي السيدة بالحب، أما جاكو، فقد أوصت بالبسمة، تلك التي زرعتها في قلوب المشاهدين خلال السنوات الأخيرة.
رحلت جاكو، ولم تنتصر عليها أمراض الشيخوخة... هي المرأة المسّنة التي عرفت كوجه تلفزيوني وإعلاني، وبلغت شهرتها أوجها مع «عيش كتير» (2016) على «الجديد»، البرنامج الذي هزّ الصورة النمطية عن الشيخوخة، والتعامل معها. جاكو وممثلون/ ات آخرون من جيلها، أمثال دعد رزق وريمون خياط، خاضوا تجربة فريدة من نوعها في المقالب ولفت نظر الناس ــ عبر الضحكة والفكاهة ــ إلى أنّه إذا ما تقدم الإنسان في العمر، فهذا لا يعني أنه أصبح خارج الحياة، ولا يفعل سوى انتظار الموت. «عيش كتير»، الذي أبرز جاكو، حصد نسبة مشاهدة عالية، لا سيما المقلب «الجريء» الذي تقصد فيه الصيدلية وتطلب أقراص «الفياغرا» لزوجها، أو تلك الحلقة التي تزور فيها صالون التجميل وتطلب أن يصففوا لها شعرها الأبيض على طريقة «السبايكي».
جان دارك التي وصل عمرها الى منتصف التسعين، ظلت طفلة في داخلها، ونشرت روحها المرحة في مقابلاتها التلفزيونية والبرنامج المذكور. لم تتزوج لأنها «كانت مش فاضية»، على حد تعبيرها في إحدى المقابلات، وقد حوّلت بيتها الى مسكن للطالبات لتعتاش، وهي التي اختبرت الشهرة عن طريق المصادفة قبل سبع سنوات، وتهافت عليها المارة في الشارع ليلتقطوا صورة معها، وكانت وجهاً إعلانياً لعشرات الماركات التجارية، وللقضايا الاجتماعية والمدنية كدخول المرأة الى البرلمان اللبناني، أو طريقة فرز النفايات المنزلية، كما ظهرت في كليب تانيا صالح «شبابيك بيروت».
جاكو التي ودعتنا بصمت، وساد الحزن على مواقع التواصل الاجتماعي، على رحيلها، استطاعت ركل الشيخوخة المرهقة، بعفويتها وبروحها الجميلة، وبكلامها المباشر، وأيضاً نجحت في مدّ جسر مع الجيل الجديد، الذي تفصل بينهما مساحات زمنية واسعة. فقد خاطبته بلغته وبأدوات العصر. عرفت استخدام الحاسوب، ومواقع التواصل الاجتماعي. عبرها، نشرت صورها الشخصية مع قطتها الجميلة التي ترافقها على الدوام في منزلها، وفيديوات مشاركاتها الإعلانية والإعلامية. كذلك، لم تتوان عن إعلان موقفها السياسي الداعم للرئيس ميشال عون، وكرّرت في إطلالات تلفزيونية عدة بأنها معجبة به، وداعمة له، منذ أن كان في «المدرسة الحربية» مع شقيقها.
بجسدها النحيل، وشعرها القصير الأبيض، وابتسامتها التي زرعتها في قلوب متابعين/ ات كثر، سجلت جاكو في وقت قصير، علامة فارقة، تجمع الفكاهة وحب الحياة، والعيش واختبار أمور في عمرها التسعيني، أهملتها أو لم تسنح لها الفرصة في عيشها. التلفزيون الذي كان المنصة لدخولها الى الضوء والشهرة، لا يمكن أن يطفئ وجودها ولو رحلت جسداً. يكفي كمّ المعزين/ ات، والتأثر بخبر رحيلها، لنعلم أن جاكو «الختيارة» باقية، بصورة ثابتة وهي تبتسم للحياة وتتحداها... وتربح.