تونس | رحل عاشق القيروان ومؤرخها؟ رحل حسين القهواجي الذي كان في خفة فراشة ليس في نصوصه الشعرية فقط بل في حياته أيضاً. وجه ألفه القيروانيون وألفه زوّار أول عاصمة عربية اسلامية في شمال أفريقيا وثالث عواصم العرب المسلمين، زارها كبار الشعراء من أدونيس الى البياتي الى سعدي يوسف الى أحمد عبدالمعطي حجازي الى الشعراء الفرنسيين والإيطاليين الذين هاموا بمآذن القيروان وأزقتها والخطوط العربية في مساجدها ومخطوطات المتحف الإسلامي في رقادة التي يعرفها القهواجي بتفاصيلها الدقيقة.
حسين القهواجي المولود في 1959 ذاكرة ثقافية حية لا تراه إلا حاملاً لكتاب، بسيجارة لا تفارقه. يقودك في أزقة القيروان لا ينقطع عن الحديث عن الشعراء والعشّاق والرسّامين. ولعلّه من القلائل الذين لم يغادروا القيروان، إذ عاش حياته بين أزقتها خلافاً لبقية كتّاب القيروان الذين غادروها لفترات متباعدة إما للدراسة أو للعمل مثل شقيقه البشير القهواجي أو حسونة المصباحي أو محمد الغزي.

حسين القهواجي كان يعتبر نفسه حارساً للمدينة ولروحها كأنّه أحد أوليائها الصالحين، وقد أحبه كل الذين زاروا القيروان لشاعريته المفرطة وعمق إلمامه بتاريخ المدينة الشاهدة على وصول العرب المسلمين بقيادة عقبة بن نافع لأرض عليسة وحتبعل والكاهنة البربرية، لتبدأ مرحلة جديدة في شمال أفريقيا وجنوب أوروبا خاصة في اسبانيا وإيطاليا بفتح الأندلس وصقلية انطلاقاً من القيروان.
كتب حسين القهواجي قصيدة النثر وترجم نصوصاً من الشعر العالمي، خاصة الفرنسي، وكتب عن الفن التشكيلي وخاصة عن بول كلي الذي زار القيروان وهام بضوئها، وكتب عن المسرح، واهتمّ بالتراث وخاصة بالتصوّف. وكان مجنوناً بالأناقة في كل شيء، وحرص على طباعة كل كتبه في طبعات أنيقة ذات كلفة مرتفعة رغم ضيق ذات اليد. فقد كان حسين القهواجي يُؤْمِن أن الشعر قليل ونادر مثل الحب وكل شيء جميل.
من أعماله نذكر «غراب النبوءات»، «باب الجلادين»، «كمان البيت وشمعدانه»، «أحفاد سقراط وصلوا قرطاجة»، «فجر من وراء الزيتون ينهض». كما أنتج برامج في إذاعة «صبرة» القيروانية عن تاريخ القيروان والتصوّف وأعلام الإصلاح، فضلاً عن تجربته في الفرقة المسرحية في القيروان في أواخر السبعينات.
برحيل الشاعر والروائي، تفقد القيروان ذاكرتها وتفقد التجربة الشعرية التونسية رائداً من روّاد قصيدة النثر.