«أرق ليس مجرّد فيلم، أنتم قضيّتي وسأستمر»، هكذا، ختمت المخرجة اللبنانية ديالا قشمر، تحيتها الفايسبوكية إلى الشاب محمود جعفر، الذي توفي قبل يومين في سجن «رومية»، جراء أزمة قلبية ألّمت به. هذا الشاب الثلاثيني، أحد أبطال فيلم «أرق» (2013- 110 د) البارزين، وجدت فيه المخرجة «بطلاً سينمائياً مخلّداً»، بعدما كانت قد دخلت عوالم من يسمون بـ «الزعران»، و«قبضايات» الأحياء المهمشة والفقيرة والمنسية والمهملة في ضواحي بيروت، وظهّرت الجوانب الإنسانية الرقيقة في حيواتهم. بذلك، كسرت الصور النمطية والمعلّبة التي التصقت بهم، سواء كانت طائفية أو اجتماعية. تحية مجبولة بالوجع وألم الفقدان وجّهتها قشمر ــ من خلال محمود جعفر ـــ إلى البقية، الذين اخترقت عوالمهم، قبل سنوات، وأخذت على عاتقها متابعة قضاياهم، وعدم الاكتفاء بإغلاق العدسة عند انتهاء التصوير، بعدما جالت به أبرز مهرجانات السينما في العالم. في حديث مع «الأخبار»، تكشف قشمر أنّ موت جعفر «كشف الستار عن عالم التهميش والإهمال بكل جرأة»، مضيفة أنّ الشاب أخذ على عاتقه مسؤولية اعترافاته وصولاً الى «جلد نفسه»، لا سيّما في الأحكام القضائية المكدسة عليه (أكثر من 13 مذكرة توقيف). تستشهد قشمر هنا بعبارة شهيرة لجعفر يقول فيها على الملأ: «ضيعانا، نحن ما أذينا حدا، نحن أذينا حالنا». وكان قد قضى عاماً واحداً في «رومية»، قبل أن يخطفه الموت قبل يومين. الشاب الذي قرر بناء حياته من جديد، وتكوين أسرة، اعتقد أن بتسليم نفسه للقضاء «قبل إصدار العفو العام»، أمرٌ يمكّنه من فتح صفحة جديدة في حياته، إلا أنّ الموت غدره في السجن، وخانه قلبه. إلّا أنّ علامات استفهام عدة تطرح حول الإهمال الحاصل وعدم تقديم العناية الطبية اللازمة له داخل سجنه.
طبعاً، هنا لا تريد صاحبة «أرق»، إسباغ القداسة على هؤلاء الشبان، بل فقط رؤية المشهد من زاوية مختلفة، لأناس قرروا تغيير حياتهم، والاعتراف بأنهم أخطأوا، ويعيشون يومياً على أنهم مذنبون مقابل «شخصيات مجرمة تعيش طليقة كأبطال» على حد تعبير قشمر.
موت الشاب ذي العينين الخضراوين، فتح باب النقاش، حول أوضاع آلاف الشبان، الذي يعيشون في أحياء التهميش والبؤس، ويلقون في نهاية المطاف مصائر سوداء وقاسية، حتى إذا حاولوا تغيير هذا المسار، والسير بحياة طبيعية كما البقية. ولا شك في أنه ترك أثراً كبيراً لدى المخرجة اللبنانية، التي قررت أخيراً، تجميع أبرز العبارات «الفلسفية» التي قالها في «أرق»، تخليداً لذكراه، ونشرها عبر حسابها الأزرق، بعدما خذلها القدر بأن يكون محمود جعفر شخصية سينمائية في أعمالها القادمة. كان انتظاره للخروج من سجنه، والعودة إلى عائلته الصغيرة، أمنيةً لم تتحقق.

Guardians of Time Lost - أرق-Trailer from ARTRIP production on Vimeo.