ليس ممّا يدعو إلى التباهي قولُكَ: قلبي صفحةٌ بيضاء. القلبُ الأبيضُ وعاءٌ شحيحٌ ومُدقع.
القلبُ الأبيضُ : وعاءُ عدَم.
ذات يوم، إذْ كانت أمّي مريضة، جاء العمّ «مطانيوس» (مطانيوس الخرفان لا سِواه) لزيارتها.
لم يأتِ حاملاً عنباً، ولا تفّاحاً، ولا عسلاً، ولا لُـقَيماتِ حلوى.
فقط، بابتسامتِهِ الحلوةِ ولسانِهِ الأحلى، سَلَّمَ، وتَـمَنّى، وقعدَ يتكلّم.
قالَ الكثيرَ مِن الكلامِ الحلو. قالَ الكثيرَ مِن قلبِه.
أمّي التي ما انفكَّت تبتسمُ وتغتبط، وتزدادُ تَـبَـسُّماً واغتباطاً، غمزَتْني بِعينِها السعيدةِ الضاحكة، واكتَفتْ بقولِ:
إسمع! هل تسمع؟ هذا الرجلُ الذي لا يملأُ عينكَ: في قلبِهِ «قاموس»...
وإذْ تَذَكّرَتْ خوريَّ ضيعتِنا الذي جاء قبلَ سُوَيعات لِـيُـبَـخِّرَ خوفَها وآلامَها، والأزهارَ البائتةَ التي تُسَـمِّمُ هواءَ مخدعِها، أضافت: في قلبِهِ مِبخرةٌ، ومزهريّةٌ، وقاموس.
أمّي رحلت؛ والعمّ "مطانيوس" أيضاً.
لعلّهما الآنَ، هناك،
يَتبادلانَ أنخابَ الصداقة،
ويَـتَنادَمان حولَ مائدةٍ عامرةٍ بالضحكاتِ، والأزهار، وعطرِ القواميس.
16/12/2018