كما تصنعُ الغابةُ زهرة كما تصنعُ الغابةَ زهرة
كما تصنعُ المدينة عقرباً
كمت تصنعُ رطوبةُ الجدار
حشيشة
بينها وبين الجدار

حين كنتُ ولداً
كنتُ أسمع كالنائم وأرى
ولما ما زلتُ ولداً
تكدَّس العالمُ في عينيّ
الأخبار والأعياد وكتبُ الجيب
الأمزجة والمفردات
تكدّست الطُرَّة والنقشة
(كلّ طُرَّة
كل نقشة)
وصرتُ حين أشدّ لأُفلت
كُلّما شددت
كَرَجَتْ من فمي طرّة
ومن فمي نقشة
ومن فمي المزاج والمفرَدَة.

الجدارُ الذي وُلدتُ عليه
بَصَقْتُ عليه
وحرَسَني.
بين ذراعيَّ يبكي
ولد
لأن زهرته الصغيرة التي خطَفَها من الغابة
عادت ونَبَتَتْ في المكان نفسه.
لأن العقرب التي
هرّبها ليحميها
مسحورة بشياطين الأسفلت.
لأنّ حشيشة الجدار الهوجاء
ليست كما حرّضها.

لمّا كنتُ ولداً
لمّا صرتُ ولداً
لمّا ما زلت ولداً
لم أكن محظوظاً كصغار الغرب
ولا كصغار الشرق
بلادي ضيّقة مثل شَعْرة
كرهتُها ووُصِفْت
وسقطتُ كالمارد عليها.

وُلدتُ تحت بُرج الأسد
وأسداً ولدتُ
تحت برج السرطان
وانتقاماً
سطوتُ على الأبراج جميعاً
وكُنتُ ممنوعاً من الدخول لمّا
دخلتُ أبعد من الجميع
غافياً على جذوريَ في غول
هو أُمُّ أربع وأربعين
وشمعدان أيضاً وإبريقُ الزيت
وحملت الغول بأحشائي
فسدَّد خناجري إلى أحشائه
مُتلاصقَين كعُفونة ونباتها
واحداً كطُرَّة ونقشة.

المُنهالون من أظافري
المزدادون سواداً تحت عينيَّ
سواء دفنوني أو هربتُ
غيّرتُ أبراجي أو انحرت
صَنَعوني.
«ماضي الأيّام الآتية» ــ 1965