لم يصنع «عارف» دمية واحدة بل اثنتين، كانت إحداهما على هيئته، والأخرى على هيئة حبيبته، التي فارقته بعد علاقة دامت خمس سنوات، حين صارحها بإدمانه على المخدرات، فكان وقع الحقيقة مرّاً بطعم الفراق. أما «رامي»، الرجل الأربعيني فقد حمل دمية تشبه ابنته التي قاطعته بسبب إدمانه على الكحول نتيجة تعرّضه لأزمات عدة، من بينها موت زوجته.«عارف» و«رامي» ورفاقهما شاركوا في ورشة عمل حول العلاج بالدمى بعنوان «رح فكّر بحالي صح»، بإشراف المدرّبة في المجال النفسي والتربوي، ساجدة شاهين. الورشة أقيمت في قاعة المستشفى التخصصي في عرمون والمخصصة للأنشطة السايكولوجية، والتي ازدانت جدرانها بصور ورسوم وأشكال عدة تم انتقاؤها بعد الاطلاع على ملفات المرضى المدمنين على المخدرات بأنواعها المختلفة. وراوحت أعمار المنخرطين فيها بين 20 و50 عاماً.
النشاط بدأ بالعصف الذهني بين المشاركين، وهي إحدى الطرق المستخدمة في جلسات «السيكودراما»، وتلعب، بحسب شاهين، دوراً في التأهيل النفسي للمدمنين، فيشارك المرضى في فعاليات الورشة، كل بحسب رغباته وهواياته، وبذلك يشعر المريض بأنّه مقبول في محيطه المجتمعي ويسهل دمجه في الحياة من جديد.
المكان أدخل «عارف» في حالة من السلام والصفاء الذهني والنفسي، فلم يتردد في سرد تفاصيل قصته، وكيف خسر حبيبته نهائياً لمجرد علمها بإدمانه، ولن تفلح كل محاولاته باستعادة حبهما. حتى عندما اتصل بها بعد عشرة أيام ليبشرها بدخوله المستشفى لتلقي العلاج، لم يلقَ أيّ تجاوب على خلفية أنّ المجتمع لن يرحمها كونه كان مدمناً سابقاً.
بدت الورشة نوعاً من المغامرة، لا سيما لكون المستهدفين شباناً يتابعون علاجاً دوائياً، وليس نفسياً للتخلّص من الإدمان، كما أنّ اهتمامهم بصنع الدمى كان مستبعداً. لكن الأمر نجح، وصنع كلّ منهم على طريقته دميته التي تجسد شخصيته أو شخصية أخرى لها ارتباط بمشكلته النفسية المصاحبة للإدمان.
تطمح شاهين إلى تمكين هؤلاء من إعداد مسرحية نموذجية من إنتاجهم وأدائهم وتمثيلهم، بالدمى التي صنعوها، الأمر الذي يمكن أن يكون إنجازاً لهم ولها حين يتحقق. تبدو مقتنعة بأنّ العلاج الحقيقي يبدأ من إرادة وقبول الشخص المصاب وليس بإجباره على العلاج، كما هي حال البعض الذين رفضوا أن يُسموا «مدمنين».