الصحافة تدفع ضريبة الحرية

  • 0
  • ض
  • ض
الصحافة تدفع ضريبة الحرية
تعرّض عصام عبد الله (رويترز) لضرب مبرح أمس في «ثكنة الحلو»

يمكن تأريخ ليلة 14 كانون الثاني (يناير)، كمحطة لتحول الاحتجاجات أمام «مصرف لبنان»، إلى مسار آخر، اتّخذ من شارع «الحمرا» موئلاً له، حيث راح المحتجّون يحطمون واجهات المصارف الزجاجية والصرّافات الآلية. مسار جديد سجّل بعد تسعين يوماً من بدء الحراك الشعبي. محطة أعادت فرز قوى مشاركة في الحراك، ومعها جرّت وسائل الإعلام المحلية. في تلك الليلة، أشهرت lbci تغطية لا يمكن وصفها إلا بالمخجلة. بعد أسابيع من حملها «مشعل الثورة»، ها هي المحطة التي خرجت علينا بنفس تغييري داعم للاحتجاجات، تعيد حساباتها، عندما مسّ الأمر المنظومة المصرفية. أعلنت القناة انحيازها لقوى الأمن الداخلي التي لم توفّر جهداً في تلك الليلة لقمع ما يحصل في الشارع، أكان بإمطار المحتجين بوابل من القنابل المسيّلة للدموع، أو برشقهم بالحجارة واقتحام المقاهي والأماكن العامة وشنّ حملة اعتقالات عشوائية بحقّ روادها. المحطة التي وُصفت يوم الثلاثاء الفائت بـ«الليلة السوداء»، في مقدمة نشرة أخبارها أول من أمس، التقت في خطابها مع mtv التي حجبت التغطية الحيّة عما حصل في «ثكنة الحلو» أول من أمس، وأكملت برمجتها المعتادة، في إشارة واضحة إلى تعتيمها على المشهد الميداني، الذي يخصّ بالدرجة الأولى موقوفين على خلفية أحداث «الحمرا»، وبالتالي: المصارف. المحطة التي كانت قد نصّبت نفسها «معقل الثورة»، كشرت عن أنيابها في اليومين الماضيين. بعد اتّهامها عناصر من «حركة أمل»، و«حزب الله» بالضلوع في أحداث «الحمرا»، وصفت ما حصل هناك بـ «الغزوة» وقالت في مقدمة نشرة أخبارها أول من أمس، إنها فصلت بين سلمية الحراك وحضاريته من جهة وقباحة الطفيليات من جهة أخرى. وفي إطار مثير للسخرية، ربطت أحداث الشارع البيروتي بمحاولة «زكزكة الأميركيين من بوابة الردّ غير العسكري على مقتل سليماني»! وفي تقارير متفرقة (جيسي طراد)، تحدثت عن «شتائم وتعرّض للأملاك العامة وضرب عناصر قوى الأمن» وغيّبت الجزء الثاني من المشهد المتعلّق بالاستخدام المفرط للعنف تجاه المتظاهرين الذين وصفتهم بـ «المندسين»، و«مثيري الشغب». أضف إلى ذلك محاولتها تظهير رفض سكان «الحمرا» ما يحدث، عبر اختيار عينات من هناك تنتقد ما حصل، مقابل تقرير من المنطقة عينها لقناة lbci، أخرج شهادة لامرأة تسكن هناك، أيّدت عمليات التحطيم، ربطاً بما تتعرض له والبقية من عمليات إذلال في المصارف. إلى جانب الانقلاب الذي مارسته وسائل الإعلام، وتغيير خطابها نحو التصاق أكبر بالسلطة السياسية وبالمنظومة المالية الحاكمة، برز أول من أمس، مشهد لا يقلّ خطورة عمّا حدث في «الحمرا» في استخدام أساليب عنفية وميليشياوية. فقد شهد نهار الأربعاء، تجمعاً حاشداً أمام «ثكنة الحلو» للضغط في سبيل إطلاق المعتقلين داخله وقد سيقوا إليها على خلفية أحداث «الحمرا». لكن تجمهر عشرات المحتجين لم يمنع تكرار سيناريو سابق، بوتيرة عنفية أكبر، طالت المحتجّين والجسم الصحافي من مراسلين ومصوّرين. نال هؤلاء الحصة الأكبر، رغم إشهارهم بطاقاتهم الصحافية، وارتدائهم خوذاً تدل على مهنتهم. إلا أن البطش كان سيد الموقف. بعد محاولة القوى الأمنية الفاشلة حذف تسجيلات كاميرا المصوّر حسين بيضون (العربي الجديد) بعدما سيق داخل الثكنة العسكرية، كان بارزاً الاعتداء الوحشي على مصور «رويترز» عصام عبد الله، وإصابته في رأسه وتحطيم كاميرته، وعلى مصوّر «النهار» نبيل اسماعيل، وبعدها ليلاً على الأطقم الصحافية التي كانت أمام الثكنة لتوثيق الاشتباكات. تعرّض الزميل مروان طحطح ومصور «دايلي ستار» حسن شعبان لمضايقات من قِبل قوى الأمن وصلت إلى حد شتمهم ومنعهم من التصوير. كما نالت «الجديد» حصتها من خلال الاعتداء على فريقها المؤلّف من المراسل حسان الرفاعي، والمصوّر سمير العقدة. يروي الرفاعي لـ«الأخبار» كيف تم الاعتداء على المصوّر الخمسيني الذي أخذ يصرخ «راسي راسي»، ومحاولة إقفال عدسته. وبعدها دُفع الرفاعي أرضاً، فأصيب بتمزّق عضلي في كتفه. بحسب الرفاعي، كان يهمّ ملاحقة العنصر الأمني الذي قام بهذا الاعتداء وتصويره. لكن ذلك لم يحصل. اللافت هنا، وبحسب شهادات من كانوا حاضرين لحظة الاعتداء على الصحافيين، هو عدم التزام العناصر بأوامر الضباط واستكمالهم حفلات البطش بدون رادع، حتى وهم يعرفون أنّ ضحاياهم صحافيون ومصوّرون.

0 تعليق

التعليقات