ونحنُ في مَهَبّ الموت، صديقي، شريكُ خندقي وخوفي، لا يَكفُّ -حتى وهو نائم- عن تَدبيجِ رسائلَ حنونةٍ ومُوجِعة لا يبعثُ بها إلى أحد (لعلّهُ، وهذا كافٍ على ما أظنّ، يَبعثُ بها إلى نَفسِه). رسائل مُحَـيِّرة، لا هي بيضاءُ تماماً ولا سوداءُ تماماً. هي بيضاءُ لِمن أرادَها بيضاء، وسوداءُ لِمَن أرادَها كذلك (لِنَـقلْ: هي بيضاءُ وسوداءُ في الوقتِ عينِه). رسائل لا تقول شيئاً (تَذَكّروا رسائلَ المحبيّن المعطّرةَ بدموعِهم، والممهورةَ بأختامِ قلوبِهم!) ولكنّها قادرةٌ على إيصالِ كلّ شيء، وتَوَهُّمِ إمكانيّةِ بُلوغِ كلِّ شيء : رسائل عن «الأمل...».
هي، في يقينِ قلبِه وأحلامِه، رسائلُ شافيةٌ مِن الخوف، وكافيةٌ للحمايةِ مِن الوقوعِ في الموت.
: رسائل... تَعاويذ.
.. .. ..
أنا حزينٌ هذا اليوم ، حزينٌ فوقَ ما تَتصوَّرون ،
لأنّ صديقي، على عكسِ ما تَأملون، غافلَني وأوقَعَ نفسَهُ في الموت.
وأنا (أنا الذي لا أُحسِنُ كتابةَ الرسائلِ، ولا أثقُ بالقدرةِ الشّفائيّةِ للتعاويذ)
أنا الذي (هل تُصدِّقون؟..) ضحِكتُ على الموت وكُتِبتْ ليَ النجاة
بدليلِ أنني أنا مَن يَكتبُ إليكم الآنَ هذه الدمعة.