على واجهاتِ هذه الجدران، ككلّ جدرانِ العالَم، رسومٌ لطيفةٌ، مُرثَجَلةٌ وغيرُ مُتَأَنِّـيَـة
لأزهارٍ، وعصافير، وقبلاتٍ سعيدة، وقلوبٍ مُزركَشةِ البُطَيناتِ بسهامِ حبٍّ حنونةٍ وصائبةْ.
وخلفَها، خلفَ هذه الجدرانِ العتيدةِ نفسِها، حيثُ تَتَعذّرُ الرؤيةُ ويَصعبُ التخمينُ،
تَفيضُ الدموع، وتعلو شهقاتُ المحتضرين، وتَعبقُ روائحُ أسمالِ المرضى والمحزونين والموتى.
خلفَ هذه الجدران، ككلّ جدرانِ العالَم، آلامٌ وآلام.
خلفَها، خلفَ جدرانِ بيوتِ هذا العالَم،
خلفَ هذه الجدرانِ الـمُمَوَّهةِ بأزهارِها الضاحكة، وقبلاتِها السخيّةِ، وسِهامِ قلوبِها السعيدة..
خلفَ هذه الجدرانِ السميكةِ العالية،
تُحتَبسُ دموعٌ، وتُعتَصَرُ حبّاتُ قلوب، وتدورُ قصصٌ، ويُتَكَـتَّمُ على أسرارِ عذابْ. .
خلفَها... خلفَها، خلفَ هذه الجدرانِ الضَّريرةِ الضاريةِ عديمةِ القلب،
أحزانٌ ودموعٌ تستحقُّ أنْ تُبصَرَ وتُروى...
خلفَها: ناس.
فإذنْ، يا أيها الناس!
أيها الذين أمامَ هذه الجدرانِ السميكةِ العاليةْ،
إنْ كنتم عاجزين عن إبصارِ ما يدورُ خلفَها
فَـ: هيّا وهيّا!
امتَشِقوا فؤوسَكم وأسرارَكم وأورامَ قلوبِكم
وَسارِعوا إلى الـهَدّ!