بإمكاني، حتى وأنا لستُ سعيداً بالمطلقِ (كما في هذه اللحظة)، إيهامُ نفسي بأنني في غايةِ السعادة: النهارُ طلعَ لأجلي. الشمسُ، فيما أنا لا أزالُ مستلقياً في سريري بدون أنْ أوليَها أيّ اهتمام، سكبتْ أشعتَها من شقّ النافذةِ المقابلةِ لأجلي. الأشجارُ تُواصِلُ اخضرارَها وتَتباهى بمَغازِلِ هوائها... لأجلي. وأزهارُ الياسمينة لأجلي. والهواءُ، الهواءُ الذي لا أراهُ ولا أشعرُ بهبوبه، يهبُّ لأجلي. ولأجلي، لأجلِ إسعادِ قلبي، تزقزقُ عصافيرُ الدُّوريّ التي تأكلُ فتاتَ خبزي وبقايا طعامي؛ بل ولعلّها، هي التي لا تعرفُ كيف تقولُ «شكراً»، تقولُ لي «شكراً» بزقزقاتِ قلوبها ورفيفِ أجنحتها.
الكلّ لأجلي، لأجل عينيّ وأذنيّ وأصابعي وأنفاسي. لولايَ (لولا عينايَ وأذناي ورئتاي وقلبي وأصابعي وكلّ خليّةٍ فيّ) الحياةُ ما كانت لتوجد. الحياةُ وجِدت لأجلي. لولايَ ما كان لها أن تصيرَ «حياةً» وحيّة. لولايَ الحياةُ كلّها كانت عدماً. أنا مَن يصنعُ الحياةَ ويمنحها حياتها، فقط لأنني أراها وألمسها وأشمُّ نسيمَها وروائحَ ترابها وأعشابها. الحياةُ تحيا بي. الحياةُ صناعتي. فكِّروا بها وبي! فكِّروا ما أنتم عليه!
فكِّروا «الحيـــاة»!...