على عادةِ جميعِ العجائزِ المهجورين ومُوجَعي القلب، صرتُ، كلَما عنّت على بالي صُوَرُ الأولاد ( الأولادِ الذين هناك.. هناكَ في الأقاصي)،
أخترعُ لعودتِهم الدروبَ والأسباب
فأزيدُ غرفةً إلى جوارِ غرفة، وسريراً إلى جانبِ سرير، ومخدّةً حنونةً زاهيةً فوقَ لحافٍ أَحَنَّ وأزهى،
على أملِ إسعادِ قلوبِهم وأَعيُـنِهم
وإيواءِ ما تكاثرَ مِن أولادِهم وأحلامي.
.. ..
سنةً بعدَ سنة، وخوفاً فوقَ خوف، ونسياناً بعدَ نسيان،
صارت الدروبُ إلى الوطنِ كلُّها مقطوعة، بفعلِ ما تَراكمَ عليها مِن أنقاضِ الحروبِ، ونِفاياتِ الأزمنةِ والأوهامِ والمواجِع.
الأيّامُ تَـمُرُّ، والأعمارُ أيضاً.
وأنا، على عادةِ جميعِ العجائزِ الحالمين، لا أزالُ أنامُ وأصحو...
أنامُ، وأحلمُ، وأصحو...
فلا أرى إلاّ الفراغَ يملأ الفراغ، والأبوابَ الموصدةَ على الهواءِ تشهقُ قبالةَ جاراتِها الموصدةِ على هواء...؛ وأراني:
وحيداً، وحيداً، وأَوحَد...
الظلامُ يملأُ قلبي، والأحلامُ تَهرُّ مِن عينيَّ أنيناً مائعاً وكلماتٍ مالحةْ؛
وَ، على عادةِ جميعِ العجائزِ المقهورين،
أَضمُّ ذراعَي نفسي على قلبِ نفسي
وأُمضي بقيّةَ النهار ساكتاً.