البندقية | قديم، أبوي، تعليمي، مملّ. هي الكلمات التي تصف فيلم المخرج الإيراني مجيد مجيدي. قلت الكلمات الأربع لصحافي ألماني كان جالساً إلى جانبي. ضيق نفس لازمني طوال مدة الفيلم، ليس بسبب الكمامة على وجهي، ولا من غبار وضوضاء الشوارع حيث يسكن ويعمل الأبطال الصغار في الفيلم. الضيق جاء من الفيلم نفسه، من القصة، من السرد، من التكرار، من عدم المصداقية، والكثافة العاطفية التي حشرها مجيدي في الفيلم.المخرج الإيراني مجيد مجيدي هو مخرج الأطفال. رأيناه دائماً في أفلامه يقف إلى جانب الصغار («أطفال السماء»، «لون الجنة»، «نشيد العصافير»...)، يدافع عن حقوقهم، يطالب بحق التعليم، يصف حياة الشوارع، وحياة الذين يُجبرون على العمل، ويساند أولئك الذين يتم استغلالهم. موضوع الطفولة تيمة متكررة في سينما مجيدي. وفيلمه الجديد ليس بجديد. «خورشيد» أو «أطفال الشمس» (شارك الفيلم في «مهرجان فجر السينمائي» وربح ثلاث جوائز منها أفضل فيلم وأفضل سيناريو) يشارك في المسابقة الرسمية في «مهرجان البندقية» المقام حالياً.
أخرج مجيد مجيدي أطفالاً من الشوارع من أجل المشاركة في مشروعه الجديد. الفيلم مكرّس لجميع الأطفال الذين يتم استغلالهم من قبل «الكبار» في جميع أنحاء العالم، ولكنه جاء مقيّداً بالعاطفة القوية. الأطفال هم الأبطال، علي (روح الله زماني) ابن الاثني عشر عاماً وعصابته الصغيرة من اللصوص هما قلب الفيلم النابض. يرتبون لأنفسهم وظائف مختلفة، وجرائم صغيرة من أجل الحصول على المال السريع لإعالة أسرهم. أطفال الشوارع هؤلاء تخلى عنهم الآباء والمؤسسات، والدولة غائبة لا تهتم بهم، وغالباً ما تكون انتقامية. فقط المدارس القليلة التي يموّلها المحسنون هي مركز الخلاص وفرصة المستقبل لهم. يصل علي إلى مدرسة من هذه المدارس الواقعة في ضواحي طهران، ويسجل هناك مع أصدقائه. الهدف ليس تعليمياً، بل إنهم في مهمة للعثور على كنز مُخفى في المجارير تحت الأرض، بناءً على طلب رئيس عصابة كبير. في «مدرسة الشمس»، سيتعين على الأولاد التظاهر بأنهم مهتمون باستئناف دراستهم وحفر نفق بالسرّ للعثور على الكنز. من هذا الأساس، يولد فيلم بمعدل خطابي عالٍ، سواء في السرد أم في التمثيل، مع تصوير لامع ونظيف جداً، نسف فيه مجيدي الواقعية. عدم المصداقية يولد فيلماً غير عفوي، مبنياً على نقاط محددة، مكررة، غير مفاجئة، ونادراً ما تكون مثيرة. والنتيجة فيلم لا يكاد يُذكر. في كثير من الأحيان، استغل مجيدي النغمات الميلودرامية، وسقط في نغمة الرمزية المفرطة. فيلم فيه الكثير من الديماغوجية، خامل ومعروف. هل تتذكرون «كفرناحوم» نادين لبكي؟
ماكر، ومصمم بوضوح لاستمالة عواطف الجمهور، يبرز روح الله زماني الصغير كوجود قادر على تحفيز انتباه المشاهد، بفضل وجه قادر فوراً على الإيحاء بهشاشة شخصيته، وفي الوقت نفسه إظهار ذلك الإحساس اليائس بالبقاء الذي يحرك كل أفعاله، خاصة في المشهد الأخير الذي يشبه الولادة الجديدة في مكان ضيق جداً.
لا يجد مجيدي منفذاً مناسباً للقصة الذي يريد أن يقدمها، حتى الشمس التي هي أساس العنوان لا تجد مكاناً في إطارات الصور، ولا تباين بين الظلام والضوء. عمالة الأطفال، الصداقة، الطفولة والحرية... كل شيء يُروى من قبل المخرج، وهذا ليس فقط لأنه لا يعمّق شخصياته بشكل صحيح، ولكن قبل أي شيء لأنه غير قادر على المغامرة في أحشاء الأرض مع علي. نتأثر فقط بالقدر الذي يتحدث فيه الفيلم عن استغلال الأطفال، وليس لأن هذه القضية يتم تناولها بالفعل والتعمّق فيها. يبدو الأمر كما لو كنا نعرف بالفعل القليل من كل شيء عن «خورشيد». فيلم يقول أكثر مما يمكن أن يظهره. روح المغامرة والكنز وعملية البحث الموجودة في الفيلم تذكّرنا بأفلام المغامرات في الثمانينيات (The Goonies /Stand By me)مع أن لا مجال للمقارنة في الأصل، ولكن هذا فقط لإظهار التناقض بين ما يريد مجيدي أن يقوله وبين ما قدّمه.
فيلم برسالة واضحة وكبيرة إذا سلّمنا بأن الموعظة يصح أن تكون «رسالة» أي عمل فني (السينما والفن ليسا رسالة). «لا تدعوا الأطفال يعملون، فهم لهم الحق في الدراسة!» جملة يمرغها مجيدي بوجهنا طوال الفيلم. إنها حيلة ذكية لتقديم فيلم كهذا، وليست تافهة على الإطلاق. مع ذلك، نسي مجيدي تطويرها. المشاهد بدون مصداقية، بل مضحكة في بعض الأوقات. مثلا يتمكن الأولاد من الخروج من الفصل الدراسي من أجل الحفر تحت الأرض، ما يحدث ضجيجاً جهنمياً، لكن لا أحد يهتم به! فيلم خال من الخيال، كل شيء يمكن التنبؤ به. لا يُسمن ولا يغني من جوع، مناسب لتحريك عواطف الجمهور، من دون طرح أسئلة حقيقية. شتان ما بين فيلم مجيدي والسينما التي تحكي قصص الطفولة بصرامة مختلفة في إيران من عباس كيارستمي وسميرة مخملباف إلى جعفر بناهي.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا