مرّت حفلة زياد الرحباني في بيروت أول من أمس بسلام. الموعد المنتظر ضمن «أعياد بيروت» كان عرضة للإلغاء، أو التأجيل في أحسن الأحوال، لو لم يتحسّن وضع يد زياد إلى الحد الأدنى الذي يسمح له باستخدامها. هذه اليد الذهبية التي تتلقى أوامرها الموسيقية من بحر الخبرة الطويلة والموهبة الكبيرة والذائقة المصقولة بعناية لم تتعافَ كلياً. بدا ذلك واضحاً منذ البداية.
مع اعتلاء الفرقة الضخمة المسرح، رصدت عيون الـ 2500 شخص الحاضرين البيانو، متأملةً صورةً لم تكتمل إلا جزئياً بحلول العازفة اللبنانية/ الروسية دارين شحادة في المكان المخصّص لزياد. انطلق البرنامج بمقطوعة «أكياس وشنط». هذه الموسيقى التي تضاهي أبلغ شعرٍ أو نثرٍ في قيمتها التعبيرية أضفت الرعب على الترقُّب. صمت في المدرّجات كسره التصفيق قبل أن تظهر الممثلة ندى أبو فرحات وتقدِّم أداءً ممتازاً لنص حلقة غير منشورة من برنامج «العقل زينة» الإذاعي. الحلقة التي تحمل عنوان «راحت إجري» وتحكي قصة مواطن أصيب برجله في قصف عشوائي على بيروت، زادت من حالة القلق على زياد. لم يتأخر تلاشي كل هذه الهواجس، حتى أطل الرحباني بيدٍ مصابة. عَلت صيحات الترحيب وارتاح الجمهور والفرقة أيضاً.
يمكن تقسيم الحفلة إلى ثلاثة مكوّنات: الموسيقى والغناء، أداء النصوص ومداخلة كلامية طويلة نسبياً لزياد بعيد انطلاق الفصل الثاني. بالنسبة إلى النصوص، يمكن الملاحظة أنّ أداء الممثلتين ندى أبو فرحات وريما قديسي تخطى معظم ما شهدته حفلات زياد السابقة في هذا الجانب. أمّا مداخلة الرحباني المسكون بهاجس سياسي/ إنساني/ اجتماعي/ اقتصادي/ فأتت على شكل خطاب مباشر، مرتجل في الشكل، متماسك في المضمون (وهذا يدلّ على التفكير الدائم في الموضوع المتناول) لن نلجأ إلى اختصاره متى تعذر تفريغه حرفاً حرفاً. لكن، يمكن عنونته بالآتي: «الولايات المتحدة الأميركية: زبدة الفستق الفتّاكة. الخليج العربي: الطبيعة... بالقوة». قال زياد كلامه بنبرة أنهكها القهر.
في الجانب الفني الموسيقي، شهدت الأمسية أداء روائع زياد الرحباني في التلحين و/ أو التوزيع (أعمال من ريبرتوار فيروز والأخوين رحباني والشيخ سيّد درويش أيضاً). من «رح نبقى سوى» و«فايق ولّا ناسي» و«قصة زغيرة كتير» بصوت الفنانة السورية منال سمعان إلى «ضاق خلقي» بصوت الفنانة المصرية شيرين عبده أتى الغناء (شاركت فيه أيضاً تينا يموت وماري تيريز بو شقرا) على مستوى المطلوب ليبلغ ذروته مع «أهو ده اللي صار» بصوت حازم شاهين (وشيرين عبده) الذي غنّى أيضاً «راجعة بإذن الله». ومن المقطوعات الموسيقية سمعنا قنبلة الباص والنحاسيات والدرامز (تولاه العملاق الهولندي أرنو) «مهووس»، ومقدمتي «لولا فسحة الأمل» و«صح النوم» وMEA... وفي الختام تحية واضحة لملايين الشعوب من حولنا: «جايي مع الشعب المسكين».
شارك في الأمسية ضيف خاص هو عازف الساكسوفون العالمي تشارلز دايفس (1933)، فساهم بصولويات قليلة وقيّمة. لكن في الأيام المقبلة سيكون نجم أمسيات عدّة، سنعددها ونعطي محبي زياد الرحباني روزنامة حفلاته الكثيرة المقبلة.
في 11 الجاري، يحيي زياد مع فرقة كبيرة (عشرة موسيقيين) وبالاشتراك مع دايفس أمسية جاز في Light House (أنطلياس/ مبنى «كركة الحج») ثم في Le Maillon (الأشرفية/ صوفيل – 13 الجاري). في 14 و15 آب (أغسطس)، سيكون تشارلز دايفس في «بلو نوت» (رأس بيروت/ شارع المكحول). أما زياد فيقدم أمسية وحيدة في «كركة الحج» (15 آب) قبل أن ينتقل والفرقة للمشاركة في «مهرجانات غلبون» (قضاء جبيل) بعدها بيومَين. استراحة قصيرة، ينتقل بعدها الرحباني إلى قلحات (الكورة) لتقديم أمسية ضمن مهرجاناتها (21 آب)، ثم أخرى في صور (23 آب). يلي هذا النشاط الحافل أمسيات أخرى، نعود إليها فور تأكيدها.