نتوه بين أزقة عشوائية في منطقة فرن الشباك في بيروت، ثم نصعد درجاً قديماً لنصل إلى بوابة خشبية يميزها طلاء بسيط. حالما تُفتح البوابة، ندخل فضاءً يعرفه السوريون جيداً (أجواء كلية الفنون الجميلة). موسيقى غربية تنبعث من الداخل ممتزجةً برائحة القهوة العربية، بينما تمنح الجدران البيضاء شعوراً بالارتياح في جو حيث الأرائك البسيطة بألوانها الزاهية، وبعض المصابيح الغريبة، وعدد كبير من زجاجات البيرة والنبيذ الفارغة. باختصار، إنّها ورشة فنية خاصة جداً يديرها المتخرّجان في «كلية الفنون الجميلة» في دمشق راميا سليمان ووسام معسعس. الفكرة ليست ورشة نحت أو رسم، بل هي شكل فني جديد لتكرير القمامة بطريقة فنية مبتكرة، تأتي شبهاً لمشاريع تطلقها مجموعات عالمية، لكن قليلاً ما يتم العمل عليها في الوطن العربي. وإن حدث ذلك فإنّه يبدأ بمبادرة فردية كما يحصل مع راميا ووسام. في حديثه إلى «الأخبار»، يختصر معسعس الحكاية قائلاً: «بدأنا العمل منذ تخرجنا في الجامعة سنة 2004.

وكنا نصنع قطعاً فنية وعملية في الوقت نفسه من خلال تكرير القمامة»، مشيراً إلى أنّ «المزاج السوري العام لم يتقبّل الفكرة، فكيف لمطعم شهير أن يضع في أروقته ما يعرف بأنّه مصنوع من مخلفات الطبيعة؟! لذا أجّلنا المشروع حتى إشعار آخر». هكذا، كان على الشريكين أن يعملا في مجال الديكور لغاية اندلاع الأزمة السورية. عندها، سافرا إلى إسطنبول وعملا في المجال نفسه، لكنّهما لم يتمكنا من الاستمرار، «لأنّنا مضطرون إلى التعاطي مع أصحاب مهن بسيطة لا يتكلمون إلا التركية، ونحن لا نجيدها، فحوّلنا مسارنا نحو بيروت». يشرح الثنائي أنّه رغم أنّ لبنان لا يملك سوى معمل زجاج واحد، تنتج إحدى شركات البيرة فيه حوالى 75 مليون زجاجة سنوياً، ترمى في الحاويات. هذا فضلاً عن أنّه لا يوجد معامل تصنع الكؤوس الزجاجية. لكن لماذا كل هذه الزجاجات الفارغة في الورشة؟ «الكأس التي تحتسي بها القهوة أصلها زجاجة بيرة» يقول معسعس قبل أن يكمل لنا حكايات وحدات الإضاءة (اللمبادير) المصنوعة بطريقة مختلفة (الصورة): «بعدما حوّلنا زجاجات النبيذ والبيرة إلى كؤوس، استخدمنا القطع الزجاجية المتبقية ووظفناها في تصميم وحدات إضاءة فنية مصنوعة من أنابيب قديمة». وحدات تعمل على توفير الطاقة وتقوم بوظيفتها بشكل كامل، كما يمكن استخدامها للزينة مع إمكانية تحريكها وتزيينها بأي شكل كان، يقول معسعس، مضيفاً: «كل ذلك يسهم في إيجاد فرص عمل هائلة لمهن قديمة». كل ما سبق مقدمة لمفاجأة المقاعد والأرائك والأسرّة التي ما ان ندقق في تفاصيلها ــ كما تطلب منا راميا ــ حتى نكتشف أنّها مصنوعة من بقايا الطبليات الخشبية المخصصة للتخزين. وتقول الفنانة السورية: «يمكن بهذه الطريقة إيجاد حلول جذرية بأسعار زهيدة جداً لفرش أماكن إقامة اللاجئين السوريين مثلاً. كل ما ينتجه الثنائي يجمعانه بقصد إطلاق معرض خاص (وربما دائم) لبيع هذه المنتجات التي ستشكل مصدر الرزق الأصلي للورشة اليافعة التي تصنع من العدم إبداعاً.

https://www.facebook.com/artafif