تونس | لم تعرف تونس في تاريخها الحديث أزمة كالتي تعيشها منذ أيّام بعد انتشار ثقافة القتل. ولوضع حد لهذا المسار الذي يهدد استمرارية الدولة وطبيعة المجتمع التونسي المتسامح والمستنير، طالبت مجموعات شبابية برحيل الحكومة وحل المجلس التأسيسي، فيما يعتصمون منذ السبت الماضي في ساحة «المجلس الوطني التأسيسي» تحت شعار «الرحيل».هذا الاعتصام وإن كان في ظاهره سياسياً، إلا أنّه تحوّل إلى عرض فني يومي مفتوح انطلاقاً من موعد الإفطار حتى ساعات الفجر الأولى. نجومه ممثلون وموسيقيون ومسرحيون وشعراء وكتاب شعارهم الأساسي «نعم سنموت لكننا سنقتلع النهضة من أرضنا» في إشارة إلى حركة «النهضة». في هذه الساحة، يتجمّع كل ليلة آلاف التونسيين الذين يرقصون ويغنون احتفاءً بالحياة التي يستهدفها «الإرهابيون» الذين حوّلوا حياة التونسيين إلى كابوس وخصوصاً منذ صعود «النهضة» إلى الحكم.

الظلام الدامس الذي فرضته «بلدية باردو» (غرب) حيث تسيطر الحركة المتشددة على المعتصمين حتى لا يتمكنوا من استعمال التجهيزات الصوتية، لم تمنع الفنانين من الغناء والعزف وإشعال الشموع. «يا حجل طليت من العلالي»، و«نعم سنموت»، و«الخط دا خطي»، و«على بقرة حاحا» وغيرها من الأغاني الشاهدة على السبعينيات والثمانينيات يوم كانت القوى التقدمية تسيطر على الحياة الثقافية والجامعية.
خميس البحري، وآمال الحمروني، ومجموعة «الحمائم البيض»، وبندر مان (الصورة)، ورجاء بن عمار، ولطفي العبدلي، والفاضل الجزيري، وجمال المداني وآخرون حوّلوا ساحة المجلس التأسيسي في ضاحية باردو إلى ركح مفتوح للغناء والرقص انتصاراً للشهداء والحياة الجميلة. وشارك في التحرّك أيضاً عدد من الكتاب والجامعيين مثل يوسف الصديق الذي لم تمنعه سنواته السبعين من التواجد مع الشباب، وألفة يوسف، ورجاء بن سلامة، وأمل قرامي، وألفة يوسف، ونائلة السليني وغيرهن من المتخصصات في البحوث والدراسات الإسلامية ويتعرضن منذ أشهر إلى حملة منظمة من أنصار «النهضة» والسلفيين على فايسبوك. ومن بين الحاضرين مجموهة من الروائيين والشعراء.
من جهة أخرى، أسست الجمعيات الثقافية تنسيقية وأصدرت بياناً تأسيسياً وقّع عليه كل من «الاتحاد العام للفنانين التونسيين» و«اتحاد الكتاب التونسيين»، و«نقابة كتاب تونس»، و«الرابطة التونسية للفنون التشكيلية»، و«نقابة مهن الفنون الدرامية»، و«النقابة الوطنية للمطربين المحترفين التونسيين» فضلاً عن «جمعية المخرجين والسينمائيين التونسيين»، و«إتحاد الممثلين المحترفين»، و«الرابطة العربية للفنون والإبداع» وجمعية «سنا سفيطلة للتنمية الاجتماعية والثقافية»، و«الجمعية التونسية لمتخرجي معاهد الفنون الدرامية». وتتطابق مطالب هذه الجمعيات الثقافية مع البنود التي رفعتها المعارضة التونسية والجمعيات المنظمة لاعتصام «الرحيل».