«إلى أصحابي.. وَرَثةِ محاكم التفتيش المقبِلين»

ماذا أفعلُ بنفسي؟ وماذا أفعلُ بأصحابي؟
يبغضونني ويَتَمنّون هلاكي
لأنني, مِن الضفّةِ «الأخرى» للنهر،
لا أُبصرُ إلّا «الضفّةَ الأخرى» للنهر؛
ومن النافذةِ التي أنا أمامها
لا أستطيعُ أن أُبصرَ ما وراءَ البابِ الذي هم أمامه.
يبغضونني ويتمنّون ليَ الموت
لأنني لا أملكُ سوى عينين، وأذنين، وعشرين مخلباً.
يبغضونني لأنني أملكُ قلبي
ولا أزالُ حريصاً عليه, ومُتَمسِّكاً به، ومزهوّاً بعِنادِهِ وبَسالتِه.
يبغضونني لأنني... لستُ ميْتاً.
يبغضونني لأنهم يحبّون أنفسَهم وأبناءَهم,
ولأنهم يظنّون أنني، أنا الآخر،
إنْ أحببتُ نفسي, وتمنّيتُ السلامةَ والسلامَ لأبنائي،
فهذا يعني أنني أسرقُ نِعمةَ الربّ، وأحتكرُ حقَّ الحياةْ.
يبغضونني لأنهم يحسبونني شجاعاً وقويّاً.
يبغضونني لأنني أتَباهى بما أنا عليه مِن الهشاشةِ، والهلعِ، وسوءِ التدبير.
يبغضونني... لأنهم عاجزون عن محبّتي.
يبغضونني... لأنني غيرُ جديرٍ بالمحبّةِ أصلاً.
يبغضونني لأنني لستُ سوى «الآخر»
الذي لا يستطيعُ، ولا هم يرغبون، أنْ يكونَ واحداً منهم.
يبغضونني لأنني أتَضرّعُ لآلهةٍ أخرى، وأذرفُ دموعي وتَوَسُّلاتي على عتباتِ معبدٍ آخر.
يبغضون «أنا» الذي يسمّونه «الآخر».
يبغضون السمَّ الذي لا أزالُ أتناوله... لأنهُ عاجزٌ عن إماتتي،
والحياةَ التي أنا على قيدِها... لأنها لا تزالُ تَقبلني ضيفاً،
والهواءَ الذي أتَنفّسُه... لأنه لا يزالُ صالحاً للتنفّس.
أمّا أنا فلا أبغِضُهم إلاّ لأنهم قادرون, في كلّ لحظة،
على أنْ يظلّوا أمواتاً، ويَتَباهوا بالموتِ الذي هم فيه.
أُبغِضُ مهنةَ الموت.
24/1/2016