في الطريق، راودتنا رغبة مباغتة في الهروب خشية لقاء أحد أبرز نجوم الـ«شوبيز» العرب. كلمة «سوبر» لها رهبة خاصة. لا بدّ من أن يكون مغروراً. لكن لمَ الأحكام المسبقة؟ أليس هو من كنّا نصفّق لأغنياته في السيارة خلال صيفيات التسعينيات: «سهران لمين يا شوق»، «وعشت ليكِ، أشتريكِ، روحي فيكِِ»؟ ألم نمضِ ليالي في الرقص على «سهروني الليل»، و«طب ليه»، و«يغيب» في الحفلات والملاهي والأعراس؟
في مكاتب شركته «باكستايج بروداكشنز» (ضاحية بيروت الجنوبيّة)، نلتقي راغب علامة. صوره موزّعة على الجدران: في هذه الصورة يعانق الميكروفون، وفي تلك ينحني فوقه، وفي إحدى الصور الكبيرة، يفتح ذراعيه مغمضاً عينيه، والأضواء تنبعث من حوله ليخيّل لك أنّها تتسلّل من شعر رأسه، أو تخرج من كفّيه وقميصه. كأنّه رجلٌ مجبول من أضواء.
خليّة نحل صغيرة، تتحلّق حول «الريّس»، كما يلقّبه فريق العمل هنا. كان جالساً بينهم حين دخلنا. وقف وابتسم ابتسامة حارّة، وأتبعها بعبارات ترحيب كما يفعل أيّ مضيف في أيّ بيت لبناني تقليدي. لا يبدو الرجل الـ«سبور شيك» في الخمسين. لا يرغب في الوقوف أمام كاميرا «الأخبار»، فـ«الإضاءة غير مناسبة» يشرح بتطلُّبِ الخبير في أصول الإطلالة الناجحة. يقودنا إلى مكانه السرّي، «لنحكي على رواق». يدلف الدرج إلى عالمه الحميم، البعيد عن الشاشة والكليبات والحفلات. تتصل والدته، يردّ: «نعم ماما، لقد أرسلت من يصلحه». في الأسفل، مقاعد بنفسجية ورمادية باذخة، ومرايا، وملصق لعلامة المجوهرات التي تصممها زوجته جيهان. تطلّ رفيقة دربه، فالفضاء هنا مكتبها الخاص. تلقي السلام بهدوء أنيق، تقترح علينا فنجان قهوة، وعلى زوجها شاياً من دون سكّر. تعود جيهان إلى أوراقها، فيما يتصل راغب بابنه لؤي مفاوضاً: «بدّك أكلة لحم بعجين رح تاكل أصابيعك وراها؟». حين يفشل في إقناعه بالغداء البيتي، يستسلم لذكريات الطفولة أمامنا. «لم نكن نعرف بشيء اسمه أعياد ميلاد، وألعاب، و«شوبينغ». طفولتنا كلّها انقضت في الحرب والقصف». يتذكّر النجم المولود في الغبيري (جنوبي بيروت) عام 1962 سنوات المعابر والملاجئ وخطوط التماس.
ابن موظّف المحكمة صبحي علامة، ولد في عائلة من خمسة شباب وثلاث صبايا. «كنت أرتدي ثياب أخي، وأخي الأصغر يأخذ ثيابي وهكذا. كنا نملأ الماء للمنزل تحت القصف. وإن كان بحوزتنا ربع ليرة، كنّا نلعب فليبر». في العاشرة، تعلّم راغب قيادة السيارة، وكان يقلّ أمّه إلى سوق الخضار. «كنت «حبّيب». الفتيات كنّ يعشقنني»، يقول للتأكيد على موهبته في جذب الحسناوات منذ الصغر. في الرابعة عشرة، قرّر السفر إلى العراق ليتعلّم مصلحة تركيب المكيّفات مع أحد أقرباء الوالدة. أمضى ثلاثة أشهر هناك، لكنّه لم يتحمّل الفراق، عاد، ليغمّس يده مع أيدي إخوته في طبق أمّه الكبير. «حين كنّا صغاراً، كانت أمي تحمّمنا بالنبريش»، يتذكر ضاحكاً، «وأنا اخترت مستشاريّ والعاملين معي من الخلفية نفسها».
تعلّم راغب علامة العزف على العود مقلّداً أباه. وفي الخامسة عشرة، غنّى في الإذاعة اللبنانيّة في برنامج «فكر واربح» الذي كان يقدّمه الراحل رياض شرارة. ثمّ جاءت مشاركته عام 1980 في «استديو الفنّ» عن فئة الطرب الشعبي. بعدها، قدّم له إحسان المنذر مجموعة ألحان أطلقته مثل «عن جد بقلك عن جد»، و«لو شباكك ع شباكي»، لتترسّخ صورته كمغنٍّ حسّاس، يحاكي الحبّ على طريقة جيله في ذلك الحين. لم يحصد علامة نجاحات مدويّة إلا مع ألبومه الأوّل «يا ريت» (1986) الذي دفع المنتج جيجي لامارا إلى تلقيبه بالـ«سوبر ستار». وتوالت النجاحات، وخصوصاً بعد ألبوم «قلبي عشقها» (1990)، وكليب الأغنية الضارب الذي كان وقتها أحد أوّل الأشرطة المصوّرة في ميدان الأغنية العربيّة، بتوقيع المخرج رجا زهر.
يعرف علامة أنّ الجمهور يحنّ إلى أغانيه القديمة، لذلك، يفكر في إعادة توزيع بعضها اليوم، كما يسرّ إلينا، وخصوصاً تلك التي كرّسته نجماً أول في منتصف التسعينيات مع ألبومات «توأم روحي»، و«علمتيني»، و«برافو عليكي». خلال مسيرته، نجح راغب علامة في جذب شرائح متنوّعة من الجمهور من خلال التركيز على الظهور بصورة متجددة وشبابيّة مع كلّ ألبوم. تسمعه ربّة المنزل، والجامعيون، والعمال، ورجال الأعمال، والأطفال. كلّ ذلك بفضل لون موسيقي خفيف، لكن غير مبتذل، شعبي وغير مدعٍ. «اختيار الأغنية ليس عملية معقدة. من المرّة الأولى، أسمعها، أحبّها أو لا أحبّها، بهذه البساطة»، يقول المغني العصامي، مؤكداً أنّ سرّ استمراره طوال ثلاثة عقود «أنني لا أرتاح إلى فكرة النجاح. ليس هناك أبشع من الإنسان المرتاح لنجاحه، والمعدوم الطموح».
يعيش راغب علامة حياة النجوميّة حدّ الترف ــــــ سيطلق قريباً عطراً خاصاً تحت اسم Note D’amour أي «علامة حبّ» ــــــ لكنّه ترف على مزاجه الخاص. يستيقظ في السابعة كل صباح، يمارس الرياضة، يقرأ الصحف، يشاهد فيلماً في المنزل، يشرب القهوة في أحد المقاهي البيروتيّة، يزور والديه ... يحبّ الملوخيّة وورق العنب من يدي أمّه، ويحبّ ركوب الدراجات النارية مع ولديه لؤي وخالد. يقدّس موعد عودة ابنيه من المدرسة، وإن جلبا علامات جيّدة يقول لهما: «برافو، برافو، برافو»، يقول ضاحكاً في إشارة إلى جملته الشهيرة في «أراب آيدول». تردَّد النجم في قبول عرض mbc برئاسة لجنة تحكيم برنامج المواهب. أمّا الآن، فيبدو راضياً عن التجربة: «أتذكّر نفسي حين كنت في عمر المشتركين، لم أجد من ينصحني ويوجّهني، ولم أكن أعرف كيف ألبس ولا كيف أقف».
يسافر راغب كثيراً، وفي الطائرة، يحرص على سماع فيروز وزياد الرحباني. في رأيه، تعاني الساحة الفنيّة العربيّة اليوم مرض الإنتاج، «فلا دول تحترم نفسها لتحمي حقوق الملكية الفكرية للفنانين، ولا يمكن سوقاً بأكمله أن يدار بشركة واحدة (يقصد روتانا)، وأنا أفضّل أن أنتج لنفسي، بدلاً من أن أكون تحت رحمة أحد». لهذا، يعمل حالياً على إنجاز مجموعة أغنيات منفردة، لأنّ مسألة إنتاج ألبومات لم تعد عملاً مربحاً في رأيه. ويتطلّع الفنان صاحب العقل الاستراتيجي ـــــ كما يقول عارفوه ـــــ إلى الاستغناء تماماً عن الـ «سي. دي» في المدى المنظور، والتوجه نجو الإنتاج الرقمي.
تسأله عن مواقفه في السياسة، فيردّ بإجابة مختصرة: «من الآخر، أنا مع الإعمار شرط وجود رقابة، ومع الإصلاح والتغيير شرط وجود محاسبة، ومع المقاومة ضد إسرائيل شرط عدم انخراط المقاومين في زواريب السياسة الضيقة». والثورات العربية؟ «من حقّ الإنسان العربي أن يتحرر ويأكل ويشرب ويلبس ويشعر بالدفء، لكن أخشى أن تكون هذه الثورات مقدّمة للخراب».
نودّعه محمّلين بسلام للمعجبات: «كلّهنّ في وجداني». راغب علامة؟ ستار نعم. مشهور؟ جداً، ويعرف كيف يستمتع بذلك. مغرور؟ قد نقول إنّه واثق بنفسه. ناجح؟ بالتأكيد. السرّ؟ «لم أسمح للشهرة بأن تبتلعني»... هكذا قال لنا الـ«سوبر ستار» في الـ«باكستايج».




1962
الولادة في الغبيري (جنوبيّ بيروت)

1980
شارك في برنامج «استديو الفنّ» عن فئة الطرب الشعبي

1986
أوّل نجاحاته المدوّية مع ألبوم «يا ريت» وقد لحّن بنفسه الأغنية التي أعطت عنوانها للأسطوانة عن كلمات للشاعر توفيق بركات

1995
ألبوم «توأم روحي» يكرّسه نجماً
من الصفّ الأوّل

2012
يرأس لجنة تحكيم «أراب آيدول» ويستعدّ لإطلاق عطر Note d’amour «علامة حبّ» الخاص به