يكاد يكون أكثر الفنانين التصاقاً بالمسرح. قليلاً ما يغادره إلا في حالة المرض أو الالتزام بحلقة تلفزيونية أو إذاعية. بعد أكثر من 52 عاماً من العطاء الفني، يتحدّى عبد الله الحمصي المعروف بـ«أسعد»، «العالم كلّه بأن يكون هناك مسرحي عاش ما عشته أنا في المسرح، منذ كنت في الخامسة حتى الآن، وانطلاقاً من طرابلس إلى كل لبنان». هذا ما يقوله لنا في اللقاء الذي جمعنا في مقر «فرقة الفنون الشعبية» في «شارع الثقافة» في مدينة طرابلس (شمال لبنان).
في كنف عائلة تتكون من 10 أولاد، ولد عبد الله الحمصي عام 1937 في حي الزاهرية في مدينة طرابلس. على خشبة مسرح «مدرسة الزاهرية الرسمية للصبيان»، جسّد دوره التمثيلي الأول. كان يبلغ الخامسة ولعب يومها دور طفل يبكي وينادي أمه الفقيرة كي تطعمه قبل أن يدخل عليها الخليفة عمر بن الخطاب. «بعدها صرت أشارك في كل عمل في المدرسة، ثم رحت أجمع أولاد الحي لنقلّد الباعة الجوّالين بحركاتهم وأصواتهم، ونقدم أعمالاً مسرحية للنسوة على أسطح البيوت. ذات يوم، رآني شقيقي الأكبر محمد أجسّد دوراً بعدما أصبحت في الثالثة عشرة. أخذني إلى فرقة «النفير» في كشافة «الجراح» التي كانت بقيادة صلاح تيزاني (أبو سليم). هكذا، أنشأنا عام 1957 «فرقة كوميديا لبنان» وصرنا نؤلف عملاً مسرحياً كل سنة ونعرضه على أحد مسارح المدينة».
إلى جانب هوايته في التمثيل، كان الشاب مولعاً بالسباحة ورياضة كمال الأجسام التي احترفها حتى حاز بطولة الشمال (1955). لكنّه ترك مدرسته قبل أن يتقدم إلى الشهادة المتوسطة، فعمل مع والده سليم في دكانه لصناعة القشدة. عمله الجديد لم يمنعه من مزاولة «هوسه» بالمسرح خفيةً عن والده. في نهاية عام 1958، قدمت الفرقة مسرحية «المسافر» من إعداد صلاح تيزاني على خشبة مسرح «مدرسة الفرير» الذي كان من أهم مسارح المدينة. حضر المسرحية الراحلان عوني المصري وعبد الكريم عمر اللذان كانا من الرعيل الذي نشر الفن اللبناني في البلاد العربية، وكانا يقدمان أعمالهما باللغة العربية الفصحى. نصح الفنانان المتمرسان أعضاء الفرقة بالذهاب الى «تلفزيون لبنان» الذي كان قد انطلق حديثاً فاتحاً أبوابه للفنانين، وهكذا صار. «في التلفزيون، قدمنا نصاً كتبه أبو سليم فأعجب اللجنة، ثم قدمنا «المسافر» الذي أطلق شخصياتنا المعروفة: أسعد، وأبو سليم، وجميل (زكريا عرداتي)... وبعد نجاح العرض، طلبت منا إدارة التلفزيون مواصلة تقديم العروض بالشخصيات التي أحبها الجمهور. هكذا، كانت بداية انطلاقنا عام 1960». بعدها صارت الفرقة تقدم عملاً مباشراً على الهواء تحت مسمى فرقة «أبو سليم الطبل» الاسم الرسمي الذي رافق أعمال الفرقة حتى اليوم.
لم يكن هيناً إقناع الحمصي والده بالفن «كجميع أبناء طرابلس، كان يعتبر الممثل «مشخصاتياً» لا ثقة به». وفي الوقت الذي فرغت فيه طرابلس من الفنانين، أسّس أسعد «فرقة الفنون الشعبية» عام 1960 التي ما زالت ناشطة في المدينة حتى اليوم.
في عام 1967، أشرك الأخوان رحباني أسعد في فيلم «سفر برلك»، قبل أن يخوض معهما تجربة أخرى لافتة في فيلم «بنت الحارس» عام 1971 بدور الحارس صالح إلى جانب فيروز ونصري شمس الدين. هذه التجربة جعلت صديقنا يتنبه إلى مسألة ثقافة الفنان «بعد مشاركتي في «سفر برلك»، سألت نفسي: لماذا اختارني الرحابنة أنا؟ شعرت بأنني إذا أردت النجاح في مسيرتي، فعليّ تدعيم موهبتي بالعلم لأنّه عندما يسعى الممثل إلى تجسيد شخصية معينة، يجب أن يدرسها ويفهمها. وهذا كله يحتاج إلى علم. مثلاً، كان مرجعي في هذا الإطار فرويد. درست أعماله لمدة ثلاث سنوات لأزيد معلوماتي وخبرتي وثقافتي وتعمّقي في النفس البشرية».
في العام 1973، كتب أنطوان غندور نص «دويك يا دويك» المسلسل الذي أخرجه باسم نصر لـ«تلفزيون لبنان» ومنح عبد الله الحمصي بطولةً مطلقة بمشاركة الفنانة سيلفانا بدرخان. هذا العمل أهّل نجمه إلى بطولات ثلاث في المسرح والسينما والتلفزيون. «غير أن رياح الحرب الأهلية التي بدأت تهب على لبنان، أتت على حلم العمر في أعمال كانت ستطلقني على مستوى العالم العربي؛ لكنني لم أستسلم».
رغم مشاركته في العديد من الأعمال الفنية والسينمائية والمسرحية، ومنها مسرحية «قضية وحرامية» لجورج جرداق (1970)، لم يتخلّ عبد الله الحمصي عن فرقة أبو سليم في معظم الأعمال التي قدمتها في التلفزيون وضمن المسرح الجوال. يقول: «أنا مع أبو سليم حتى الذبح ولن أتخلى عنه أبداً، عشت معه عمراً وهو أبو الكراكتيرات، وأنا صهره. أما محمود مبسوط (فهمان) فخسارة كبيرة، موته جعلني أعود إلى التدخين». في السينما، لا يكاد يخلو فيلم لبناني من دور لعبد الله الحمصي. جسّد في ذاكرة اللبنانيين تلك الشخصية الهادئة المحبّبة الدافئة التي تميل إلى مناصرة الخير، وقد أدى أدواراً متفاوتة في مجموعة كبيرة من الأفلام منها منذ «ميريام الخاطئة» (1966)، و«غيتار الحب» (1973) لمحمد سلمان؛ و«نهلة» (1979) وهو فيلم جزائري لبناني لفاروق بلوفة وصولاً إلى «زنار النار» (2004) لبهيج حجيج. أيضاً، قدم صاحبنا أكثر من 1700 حلقة تلفزيونية، وللمسرح ما يزيد على ستين عرضاً. أما أعماله الإذاعية فناهزت الـ5000 حلقة.
يتحسّر عبد الله الحمصي على أرشيفه الذي سرق من بيته في حي أبي سمرا خلال المعارك التي كانت تدور في طرابلس عام 1986 «حتى الأفلام والوثائق والتسجيلات ضاعت. حزن ت في حياتي على ثلاثة: أبي وأمي وأرشيفي. حاولت أن أستعيد بعضها من «تلفزيون لبنان»، لكن ما جمعته في حياتي من أموال مضروبة بعشر مرات، لن يكفي ثمناً لها. أما الارشيف الباقي الذي كان مودعاً في مقر «فرقة الفنون الشعبية» الذي استأجرته منذ عام 1968 في طرابلس، فقد احترق بفعل القصف». في هذا النادي، لا يزال «أبو رشيد» يقيم سهرة أسبوعة تتضمن أعمالاً فنية وأمسيات شعرية ورقصاً فولكلورياً. وفي هذا المقر، تجري أعمال التدريب على العروض الفنية والمسرحية التي تقدم حالياً في طرابلس بعنوان «المسرح التربوي» وتضم أعمالاً توجيهية لتلامذة المدارس.
في عام 2010، أصيب عبد الله الحمصي بنكسة صحية استدعت إجراء أربع عمليات «كانت كلفة هذه العمليات ما لا يقل عن مئة مليون ليرة، لم أملك منها قرشاً واحداً». يقول: «لم أعان من ظلم في حياتي مثلما عانيت من ظلم الدولة. منذ سنين ونحن ننادي بضمان الفنانين الذين لن يشكل عددهم المحدود أي عبء على الدولة، وها هم يموتون الواحد تلو الآخر على أبواب المستشفيات، ألا نستحق بطاقة صحية بعد هذا العمر الطويل من العطاء الفني وإدخال البسمة إلى قلوب الناس؟». ويبقى عزاؤه الوحيد الجمهور. «تكفيني شهادة الجمهور وكبار الفن والعمالقة. لن أنسى شهادة الممثل والمخرج اللبناني الراحل رشيد علامة بعد تقديمي شخصية أحدب نوتردام. قال لي: جعلتني أتسمّر أمام التلفزيون لأشاهد أداءك. وبعد عرض فيلم «سفر برلك» كتب الصحافي جورج ابراهيم الخوري في «الشبكة»: لقد أثبت عبد الله الحمصي أنه ممثل عالمي».



5 تواريخ


1937
الولادة في مدينة طرابلس
(شمال لبنان)

1957
أسّس مع صلاح تيزاني
«فرقة كوميديا لبنان» التي صارت لاحقاً تُعرف باسم «فرقة أبو سليم الطبل»

1967
شارك في فيلم «سفر برلك» للرحابنة ثم بدور الحارس صالح في فيلم «بنت الحارس» (1971) من إخراج هنري بركات

1983
أصيب بعينه اليمنى خلال بروفات فيلم «عودة البطل» لسمير الغصيني

2012
يقدم برنامج «أسعد والقانون»
في الإذاعة اللبنانية