في مكتبه المتواضع وعلى ضوء الشموع، بدأ السيناريست السوري المعروف حديثه. «لم أعرف شكل الطفولة الحقيقية» يروي كيف كان الفقر يحكم قبضته على العائلة، ما دفعه إلى التنقل بين أحياء دمشق ليبيع البوظة والفول. كان عليه أن يعيل عائلته، في حين كان رفاقه يبددون «خرجيّاتهم» على ما يشتهونه. ذات مرة، قرأ عنوان كتاب أعجبه في واجهة إحدى المكتبات. ولأنّه لم يكن يملك نقوداً، سرق عشر ليرات من والده، وعاد إلى البيت وفي حوزته الكتاب. «الغريب أنني ولدت في منطقة لا يوجد فيها مكتبة واحدة منذ أربعة عقود وحتى الآن، بينما يتزايد عدد المساجد باستمرار».
كانت علاقة كاتب «شتاء ساخن» (2009) باردة مع أمه. ظل يشعر بأنها لم تمنحه الحنان الكافي. لكن هذا لا يعني أن موتها لم يحفر عميقاً في روحه، بل أدخله موجة كآبة لم يكد يُشفى منها إلا وقد أصابه داء السكّري. وعلى العكس تماماً، تجمع الرجل علاقة قوية بوالده. خبرة الأب العسكري كانت كفيلة ببناء هذه الصداقة. يتفقان ويختلفان بشكل دائم من دون أن تسقط المحبة بينهما. كان فؤاد مع أبناء جيله يشكلون أول دفعة تدخل المدرسة في حي الدحاحيل العشوائي. كان السؤال عما سيصيره في المستقبل غائباً تماماً، باستثناء أسئلة يطرحها أبناء قريته عندما يحلون ضيوفاً في بيت العائلة. كان يختصر الطريق عليهم ويخبرهم بأنه سيصبح طبيباً، كما يقول جميع التلامذة. في ذلك الوقت، كان صاحب نصّ «ممرات ضيقة» (2007) يقضي يومه بين الإعداد للحفلات والمسرحيات التي كان يقيمها في المدرسة في مناسبة الأعياد الوطنية، وبين قراءة كتب من خارج المنهاج: «توجهت إلى قراءة مجلدات ماركس ولينين بسبب رخص أسعارها. لم يكن هناك بديل لفكر حزب البعث المتخشب، سوى الفكر الشيوعي المغري». أولى تجاربه مع الحب لم تكلّل بالنجاح. كان لدى حبيبته شرط غريب قبل الزواج: أن يتطوّع حبيبها في «سرايا الدفاع» التي كان يقودها رفعت الأسد شقيق الرئيس الراحل حافظ الأسد. كاد صاحبنا أن ينصاع لرغبة حبيبته. لكنه لم يفعل، وقرر إكمال دراسته. «المفارقة أن الفتاة حققت ما تريد وتزوجت شاباً كان متطوّعاً في سرايا الدفاع!». بعد إكمال دراسته الثانوية، قرر فؤاد حميرة أن يدرس الإعلام لعشقه هذه المهنة. في جامعة دمشق، وجد فسحة تسمح له بتحقيق أحلامه الفنية. أسّس فرقة المسرح الجامعي، وأقام مع أصدقائه حفلات تعارف كانت بمثابة مسرح كباريه سياسي، إلى جانب تقديمهم عروضاً مسرحية مثل «زائرة الليل» و«سهرة على الطريقة الأميركية». جالت الفرقة في المحافظات السورية وبعض الدول العربية. «لو هُيئ لنا دعم وميزانية كافيان لكانت تلك الفرقة من أهم الفرق العربية الآن، خصوصاً أننا كنا نجرب في المسرح من دون خوف». في هذه الأثناء، سيعشق فؤاد طالبة تدرس الصيدلة إلى جانب اهتمامها بالمسرح. لم تكن لهذه الفتاة شروط تعجيزية كالحبيبة الأولى. كان شرطها الوحيد أن ينتسبا معاً إلى مؤسسة الزواج، ليبنيا عائلة صغيرة فقيرة. في إحدى المرات، سيشتهي ابنه قطعة شوكولا. ولن يكون في جيب الأب سوى خمس ليرات سورية. يشتري لابنه ما يريد، وفي طريق عودتهما إلى البيت، سيجدان مئة ليرة مرمية على الأرض. «ذرفت دموعاً حارّة في ذلك الوقت. ورغم تواضعها، حلّت لي المئة ليرة مشاكل كثيرة حينها». رغم بروز الفقر والحرمان والبؤس كمفردات عانى منها طويلاً، يتمتّع حميرة بإجادته فنّ إضحاك الآخرين.
بمحاذاة سخريته المحببة، سيمر الموت ليخطف شقيقه الشاب. لا يمكن الخوض في هذه القصة مع السيناريست السوري الذي يبذل جهداً حتى يمنع دموعه من السقوط. كل هذه الأحداث التراجيدية والكوميدية، جعلت حياة فؤاد حميرة مسرحاً. كان مثل بطل على الخشبة، تكفيه زجاجة عرق وعلبة سجائر رخيصة لينال رضى نفسه من دون أن يجد جمهوراً ينال رضاه. هكذا، ستبدأ محاولات حميرة الحثيثة في البحث عن الجمهور والشهرة. قرأ كتاب «حوادث دمشق اليومية» (في القرن الثامن عشر) للبديري الحلاق، فأعجب به وقرر كتابة سيناريو مسلسل شامي استناداً إليه. أنجز ملخّصاً عامّاً لمشروعه من ثماني صفحات، واجتمع بالفنان المخضرم سليم صبري. قرأ الأخير الفكرة باهتمام وخرج بنتيجة أن ما كتبه حميرة فكرة ممتازة تحتاج إلى التنفيذ. غاب الكاتب الشاب حوالي شهر ونصف، ليعود ومعه نصف الجزء الأول من مسلسل «الحصرم الشامي». جمعه صبري بـ«شيخ المخرجين السوريين» هيثم حقي الذي تحمس للمشروع وهيأ لحميرة جهة منتجة (شبكة «أوربت»).
لكن الرقابة منعت المسلسل، ليظلّ حبيس الأدراج أربعة أعوام. في هذه الأثناء، كان حميرة يداوم على الذهاب إلى كشك بالقرب من منزله ليجري اتصالاته مع «أبناء الوسط». في إحدى المرات، تواصل مع المخرجة رشا شربتجي. سألته الأخيرة إن كان باستطاعته كتابة نصّ يحمل أفكاراً جديدة، فارتجل فوراً فكرة تتمثل في علاقات النخب الثقافية مع النساء. طلبت المخرجة الشابة أن يكتب حميرة جزءاً من النص. وافق على الطلب، وعاد إلى المنزل حائراً لكون فكرته لا تزال نواة صغيرة. انهمك في جلسة عمل طويلة كان نتاجها الحلقات الأولى من مسلسل «رجال تحت الطربوش» (2004). أعجبت شربتجي بالنص، لكنها اختلفت لاحقاً مع المنتج، ليدخل والدها المخرج هشام شربتجي على الخط. أمّن شربتجي منتجاً بديلاً وأصرّ على إخراج المسلسل بنفسه، ليضع حميرة في موقف حرج مع ابنته رشا. لكنّ صاحبنا وجد حلّاً للمشكلة، ووعد المخرجة الشابة بنصّ أفضل وأكثر جرأة. وبينما كان «رجال تحت الطربوش» يُعرض على الشاشات ويحقق نجاحاً كبيراً، كان حميرة يكتب مسلسله «غزلان في غابة الذئاب» (2006). لم يسلم النصّ من مقصّ الرقيب الذي عبث به واختصر أجزاءً مهمّة منه. مع ذلك، أحدث المسلسل ضجيجاً في الشارع السوري عندما عُرض. بعد ذلك، أفرجت الرقابة عن «الحصرم الشامي» بأجزائه الثلاثة (2007، و2008 و2009)، لتكرّ سبحة النجاحات مع «ممرّات ضيقة» (2007) وغيره من الأعمال التي جعلت فؤاد حميرة ماركة مسجلة في عالم النصّ الدرامي. اليوم، أنجز الكاتب السوري نص «حياة مالحة» الذي تنتهي مشاهده الأخيرة مع بدء التحركات الاحتجاجية السورية. العمل الذي ستخرجه رشا شربتجي، تأجل إنتاجه مراراً من دون أن تنجلي الضبابية عن مستقبله حتى الآن. كذلك، يعكف حميرة على إنجاز نص «العوسج» الذي يعود فيه إلى مرحلة القناصل في دمشق (1710). عودة أخرى إلى السياسة لم تنفصل عن أعمال حميرة. كل الطرق مع هذا الرجل تفضي إلى السياسة. كانت له مشاركة في مؤتمر المعارضين السوريين الأول في فندق «سميراميس». عندما اعتلى المنصة حينها، لم يستطع توفير حسه الكوميدي، فاختصر الواقع السوري ببضع كلمات ساخرة أضحكت الحاضرين وكسرت جمود المؤتمر. هكذا، يفنّد حميرة الأوضاع الراهنة في سوريا. لكنّه يتردّد في انتقاد ممارسات النظام وقمعه، بل ينتظر رحيله حتى «يضمد الشعب جراح حاضره ويحوك تفاصيل مستقبله».



5 تواريخ


1966
الولادة في حيّ الدحاحيل في دمشق.

1994
قدم مسرحية «زائرة الليل» في مقهى «النوفرة» في دمشق القديمة ونال في العام نفسه شهادة الإعلام من جامعة دمشق

2006
عُرض مسلسله «غزلان في غابة الذئاب» وحقق مشاهدة جماهيرية ساحقة.

2008
نال جائزة «أدونيا» لأفضل نص عن الجزء الأول من مسلسله «الحصرم الشامي».

2012
يعكف على كتابة مسلسل «العوسج» عن تاريخ دمشق بعدما أنهى العام الماضي نصّ «حياة مالحة»