قبر الطاهر الحدّاد لم يدنّس لحسن الحظّ، خلافاً لما أوردته صحيفة «المغرب» قبل أيّام. الجريدة التي بدت علامة فارقة في المشهد الإعلامي التونسي بعد «١٤ جانفي» (يناير)، وتميّزت بجرأتها ونفَسها النقدي، ودفاعها عن التقدّم والتنوير، أوردت في عدد الثلاثاء الماضي أوّل أيّار (مايو) خبراً كان له وقع الصدمة على قرّائها، وسرعان ما تناقلته وكالات الأنباء والصحف والمواقع العربيّة. كتبت «المغرب» أن أيديَ مجهولة قامت بالاعتداء على قبر الشيخ التنويري (1899 ـــ 1935)، وغطّت بالطلاء الأسود العبارة الشهيرة التي اختار رفيق دربه الهادي العبيدي وضعها على شاهدة القبر: «شهيد الحق والواجب... المصلح الاجتماعي الطاهر الحدّاد». أثار الخبر استنكاراً عارماً تجاوز حدود تونس، واتخذ أبعاداً استثنائيّة في المرحلة المتوتّرة التي تميّز المشهد السياسي والفكري الراهن هناك.حفيظ حفيظ، من «الاتحاد العام التونسي للشغل»، اعتبر الاعتداء «جريمة جديدة يرتكبها المتطرفون بحق التنوير والحداثة». وأدان صمت الحكومة تجاه الحادثة «ما يزيد خطورتها». فيما تعهّد سمير الطيب، النائب عن حزب «اليسار» أن يطرح مسألة «الاعتداء على ضريح رائد تحرير المرأة التونسية» أمام «المجلس الوطني التأسيسي». أما محسن الحداد، ابن اخ المصلح التونسي فقد قال للإذاعة التونسية، «لم يكن لنا علم بالحادثة وقد قرأنا الخبر في صحيفة «المغرب»» قبل أن يضيف «سنتأكد من هذه الحادثة، وسندعو إلى فتح تحقيق للوصول الى المجرمين في حال حدوث ذلك». وكانت تونس استعادت منذ أشهر ذكرى الحداد من خلال إصدار كتابه المرجعي «امرأتنا في الشريعة والمجتمع» في طبعة جديدة طُرحت في المكتبات.
بدورها أرادت «الأخبار» أن تتقصّى تفاصيل الحادثة، وتوجّه تحيّة إلى الشيخ الزيتوني الذي طالما كان موضع أبلسة المتشددين، بسبب كتابه «امرأتنا في الشريعة والمجتمع» (1930) الذي يعتبر البيان المؤسّس للحركة الإصلاحية ثم النسويّة في تونس. لكن مراسلنا الذي توجّه إلى مقبرة «الزلاج» في العاصمة، اكتشف أن قبر الحداد لم يمسّ، وأن الصورة التي نشرت في الصحافة هي لقبر مجاور. نهاية سعيدة لا تكفي لتهدئة مخاوف شريحة من الرأي العام في زمن ما بعد «الثورة».
(الأخبار)