كانت في طريقها إلى أن تصبح طبيبة نفسية، لكن بلوغها الأدوار النهائية من البرنامج الغنائي Nouvelle Star قلب المعادلة. المغنية الفرنسية الشابة ذات الأصول العربية، لا تتوقف كثيراً عند مسألة «الهوية». حتى اللون الغنائي لا يشغلها. يهمّها فقط أن تنشد أحلام الإنسان ومعاناته، بغض النظر عن لونه أو دينه أو جنسيته. في ضاحية «سان دوني» الباريسية، ولدت آمال بنت، لأب جزائري وأم مغربية. هناك على تخوم عاصمة النور، حيث تكثر عصابات المافيا والمخدرات، ستقضي المغنية الشابة طفولتها. «بعض الصحافيين الفرنسيين يحاولون استفزازي عندما يذكّرونني بطفولتي في سان دوني. هذا أمر مثير للسخرية». بعد أن تنهي دراستها الثانوية، ستتجه بنت إلى دراسة علم النفس. لكن هذا الطموح لن يتحقق، في ظل عشق آمال بنت بشير (اسمها الكامل) للموسيقى.
منذ مراهقتها، تعلقت آمال بالفن، وراحت تنمّي موهبتها في الظل. هكذا، لن تتردد في المشاركة في النسخة الثانية (2004) من برنامج Nouvelle Star (على غرار «سوبر ستار») عندما ستتاح لها الفرصة. نجحت في احتلال المرتبة الثالثة في المسابقة، على الرغم من منافسة عشرات الموهوبين على المراكز الأولى. منذ ذلك الوقت، صارت الفتاة السمراء محطّ اهتمام الساحة الفنية في فرنسا. «لم أفكر في بلوغ دور متقدم في المسابقة. قررت المشاركة حينها، لا لأثبت أني مغنية، فأنا أغني وأدرس الموسيقى منذ طفولتي، ولكن لألتمس ردة فعل الجمهور على أدائي».
كان تفاعل الجمهور مع صوت آمال إيجابياً، الأمر الذي ساهم في لمعان نجمها مبكراً. هكذا، أعادت صاحبتنا التفكير في مسار حياتها، لتقرر ترْك دراسة علم النفس، مقابل تكريس حياتها للعمل في المجال الفني. «لم أكن أنوي أن أتخذ من الموسيقى وظيفة لي. أردتها أن تبقى هواية، لكن تحولات الحياة دفعتني إلى تغيير رأيي». البداية الحقيقية لآمال كانت مع ألبومها الأول «يوم صيفي» (2004) الذي نالت بفضله جائزة Victoire de la musique في عام 2006 ضمن فئة أفضل صوت نسويّ واعد. الألبوم الذي بيع منه أكثر من 200 ألف نسخة، تضمّن ثلاث عشرة أغنية، منها «فلسفتي» التي تتحدث فيها المغنية الشابة عن نفسها قائلة: «ليس لي سوى فلسفة واحدة.. أن تتقبّلني كما أنا. رغم كل ما يقال عني، سأظل أمشي رافعةً
رأسي».
كتبت آمال كلمات هذه الأغنية بالاشتراك مع مغنية الراب الفرنسية المثيرة للجدل ديامس التي رافقتها في ألبومها الثاني «في العشرين» (2007). للمرة الأخيرة، ستغني بنت وديامس دويتو يحمل عنوان الألبوم ذاته، قبل أن تنفصلا بعد علاقة فنية وثيقة استمرت أربع سنوات. جاء الانفصال إثر اعتناق ديامس الإسلام وارتدائها الحجاب. لكن، هل لدى آمال بنت مآخذ على الأديان؟ «أحترم قرار ديامس. الدين مسألة شخصية تتعلق بصاحبها في الدرجة الأولى».
بعد هذه المرحلة، ستواصل آمال مسيرتها مع ألبوم «حيثما أذهب» (2009) الذي تضمّن إحدى عشرة أغنية (منها «أحبك جداً»، و«أشعر أنني في حالة جيدة»، و«قصاصة ورق»). وفي العام 2011، ستصدر بنت ألبومها الرابع «جنحة قاصر» الذي حمل مسحة بيوغرافية وأخرى عاطفية. في هذا الألبوم، تعاملت آمال مع عدد من ألمع نجوم الفن الفرنسي، مثل المغني المعروف مكسيم لو فورستييه الذي كتب لها كلمات أغنية «قاصر»، والموسيقي الشهير جان جاك غولدمان الذي كتب ولحّن لها أغنية «إذا اعتقدت». «التقيت غولدمان صدفةً في إحدى المناسبات العابرة. طلبت منه أن يكتب لي أغنية. تردد في البداية لكنه وافق لاحقاً. كنت سعيدة جداً بالعمل معه».
على خلاف نظيراتها من مغنيات فرنسيات ذوات أصول جزائرية (مثل شريفة لونا، وكنزة فرح)، لا تبدي آمال بنت ميلاً إلى الموسيقى المغاربية: «لا أرفض العودة إلى اللون الجزائري. ربما لم يحن الوقت بعد. لكن مع ذلك، أعتقد أنني سأغني نمطاً موسيقياً جزائرياً في المستقبل». تنفتح تجربتها على شتّى أشكال الغناء الغربي. إلى جانب تنويعها في أعمالها الشخصية، تعود إلى التراث الموسيقي لتعيد أداء أغنية «أحبّني» (2010) لألفيس برسلي، و«تريد أو لا تريد» (2011) لبريجيت باردو. كذلك أدّت عدداً من الدويتوهات مع بعض المغنّين، على غرار كيري جيمس في «أحلامنا» (2005)، لافوين في «تضحية من أجلها» (2007) وروف في «حب هيستيري» (2008).
وعلى الرغم من أن تجربتها الفنية قصيرة نسبياً، استطاعت آمال بنت تحقيق نجاحات عجز عنها الكثيرون من الفنانين والفنانات الذين يقاسمونها الأصول والمنشأ. فضلاً عن استحقاقها جائزة Victoire de la musique، نالت جائزة European Border Breakers Award (2006) التي يشرف عليها الاتحاد الأوروبي، فيما دخل اسمها قائمة المرشحين لنيل جائزة MTV Europe (2005) في فرع أفضل مغنية فرنسية.
إضافة إلى هذا، حققت أعمال بنت أرقام مبيعات عالية، واهتماماً إعلامياً لم يحظَ به أقرانها. «ربما يعود السبب إلى الانفتاح والتنويع الموسيقي اللذين أراهن عليهما في مختلف أعمالي». ترفض بنت التصنيفات التي تحصرها في خانة «مغنية آر. إن. بي» أو «مغنية بوب». ترى أنها تمتلك الموهبة، ما يؤهلها إلى ممارسة مختلف الإبداعات الفنية. هكذا، ستتجه إلى العمل التلفزيوني، لتشارك في سلسلة «قضايا خارجية» (2010) التي تحكي قصة شرطي يسافر بحثاً عن مجرمين فارين من القضاء الفرنسي. إضافة إلى هذا، دخلت عالم الفن السابع، حيث أدرجت صوتها في الفيلم الأميركي ـــ الأسترالي Happy Feet 2 (2011)، في نسخته الفرنسية، متقمصة شخصية «غلوريا». هذه التجارب، وسّعت جمهور بنت، ووضعتها على قائمة اهتمامات المهاجرين في فرنسا الذين يعانون حياة صعبة في مواجهة اليمين المتطرف. «لا أعتقد أن المهاجرين يولون اهتماماً كبيراً لشؤون السياسة، ولما يقال عنهم وعن أصولهم. يهتمّ هؤلاء بكيفية الخروج من دائرة الفقر والبطالة التي تؤرق حياتهم اليومية».
وعلى رغم القلق الذي ينتاب المغنية الشابة في ظل اتساع الممارسات السياسية الفرنسية القائمة على التمييز، إلا أنها تظل متفائلة بالمستقبل، معتقدة أن الأمور ستتغير إلى الأحسن، ولو بشكل بطيء نسبياً. تصرّ على أن تجعل من الموسيقى لغة خطاب لها، تدافع فيها عن نفسها وعن أقرانها من المهاجرين وعن الإنسان بصورة عامة. هكذا، اختارتها منظمة «اليونسيف» لتسهم في جولة فنية أوروبية تعود إيراداتها لمساعدة أطفال القرن الأفريقي الذين يواجهون خطرَيْ الجوع والأمراض المعدية. اليوم، تواصل آمال بنت حياتها الفنية بعدما أصدرت أخيراً سينغل «جنحة». لكن يبدو أنّ هذا الانشغال بعالم الفن لن يمرّ من دون ضريبة: «تعلقي بالموسيقى سبّب لي حالة الوحدة التي كثيراً ما أعيشها».




5 تواريخ

1985
الولادة في ضاحية سان دوني
(شمال باريس)

2004
نالت المرتبة الثالثة في برنامج Nouvelle Star وأصدرت بعد ذلك ألبومها الأول «يوم صيفي»

2009
صدور ألبومها «حيثما أذهب» الذي تعاونت فيه مع عدد من نجوم الغناء الفرنسي

2011
أصدرت ألبوم «جنحة قاصر»

2012
إطلاق سينغل «جنحة»