القاهرة | «الثورة في الميدان، والفنّ للناس البسيطة». انطلاقاً من هذه القناعة، تحدى الفنان المصري طه قرني كل الدعوات التي حذّرته من ذلك، وقرر عرض جداريته «الثورة» في المناطق التي شهدت «ثورة النيل»، أولاها ميدان التحرير، إضافة إلى ميدان العباسية، الذي عرف أحداثاً دموية كبرى بعد «25 يناير».
يحكي قرني أنّ جدارية «الثورة» تحوي 16 لوحة (على امتداد 44 متراً ــ الصورة) «ليست مكمّلة بعضها لبعض، بل هي تعبير حي من لحم الثورة ودمها، بدءاً من شرارتها مروراً بأبرز محطاتها، كموقعة الجمل، وصولاً إلى خطاب عمر سليمان الشهير».
قرّر قرني عرض العمل رغم التحذيرات التي تلقاها، لأنّه أراد تحدّي المناخ الذي يزرعه التيار الديني، وخصوصاً السلفي منه، المنادي بتحجيب الفن. ولهذا، اتخذ قراره بعرض الجدارية في الشارع، بل وجّه الدعوة إلى جميع التيارات والأطياف السياسية لحضور افتتاح الجدارية «ضمن احتفال شعبي وثقافي يحترم كل الثقافات، ويقدّم أول عمل جداري يعرض في الشارع» حسب قرني، الذي يضيف «أرجو أن يوفقني الله ويلقى العمل قبولاً لدى الشارع المصري».
صاحب جدارية «سوق الجمعة» (يبلغ طولها 23 متراً وارتفاعها 140 سنتم) التي دخلت موسوعة غينيس للأرقام القياسية عام 2007، قدّم أخيراً جدولاً لعرض «الثورة» في تحدّ جديد مع السلطة، فقرر أن يعرضها غداً الخميس في ميدان العباسية لمدة يوم واحد، على أن تعرض أيضاً يوم السبت المقبل أمام مجمع التحرير في ميدان التحرير لمدة يوم واحد، ثم لمدة عشرة أيام بدءاً من الأحد في دار الأوبرا المصرية. وعن سبب اختياره ميدان العباسية بالتحديد، قال قرني: «كي نمحو الدماء التي سالت على أرضه»، في إشارة إلى الأحداث الدموية التي شهدها الميدان قبل أسبوعين، عندما اقتحمت الشرطة العسكرية اعتصام بعض القوى السياسية أمام وزارة الدفاع، وفضته بالقوة، مما أوقع عدداً من الضحايا. «فنان الشعب»، كما يوصف قرني، هو الوحيد من أبناء جيله الذي يسعى دوماً إلى النزول بفنه إلى الشارع. حين أنجز جدارية «سوق الجمعة»، مُنع من عرضها في «ميدان السيدة عائشة». وفي عام 2008، منع جهاز أمن الدولة جداريته «المولد» «لأنني كنت أقول إنّ هذه الجداريات هي مظلمة في وجه النظام»، ويضيف «اليوم بعد الثورة، لا بد من أن تعود الأمور إلى نصابها، وتُسترد الحقوق وتحفظ مصر هويتها». وكانت جدارية «الزهور» آخر إبداعات قرني، التي قرّر إهداءها إلى نساء مصر، لتكون بمثابة اعتذار عما حدث لبعض الناشطات في أحداث مجلس الوزراء.
يقول قرني لـ «الأخبار»: «ستظل جدارية «الثورة» شاهدة على أصالة شعب إذا قام، أسكت الجميع. وما زلت متفائلاً بأنّ الآتي أفضل». ورغم تفاؤل قرني، قد يواجه قراراً بمنع عرض عمله، ليكتشف أنّ الثورة لم تحدث التغيير الذي ينشده بعد.