دمشق | لحظات قليلة كانت كافية ليتحوّل اسم الموسيقي السوري ربيع الغزي إلى خبر عاجل تلقّفته الفضائيات المتأهبة لمزيد من الدماء والجثث. ولحظات أخرى مشابهة، جعلت اسم الروائي والسيناريست السوري خالد خليفة عنوان خبر عاجل آخر، لم يستمر أكثر من ساعتين.
كان الموسيقي الشاب يقود سيارة شقيقته الناشطة والمعتقلة السابقة ريم الغزي، عندما أُطلق عليه الرصاص. وُضعت جثته في صندوق السيارة، ورُكنت إلى جانب «مستشفى الهلال الأحمر» (شارع بغداد). هكذا لخِّص خبر استشهاد الغزي الذي دعت التنسيقات على مواقع التواصل الاجتماعي إلى تشييعه أول من أمس، مع التحذير من إطلاق شعارات مناهضة للنظام، على اعتبار أن جنازته ستنطلق من قلب دمشق، وتحديداً من جامع «لالا مصطفى باشا» ليوارى في ثرى «مقبرة الدحداح» في المنطقة ذاتها. وبالفعل، انطلق التشييع بهتافات التكبير، بمشاركة بعض أبرز المثقفين والفنانين السوريين، من بينهم التشكيليان يوسف عبدلكي وفادي يازجي، والباحث والناقد حسان عباس، إضافة إلى خالد خليفة. حصيلة المشاركة في التشييع كانت اعتداءً بالضرب، نتجت منه إصابات بالغة، منها كسر يد خليفة، وإصابته بجروح، وتوقيفه لفترة في سيارة الأمن قبل تركه لأصدقائه حتى يتمكنوا من إسعافه.
«الأخبار» اتصلت بصاحب «مديح الكراهية» الذي فضّل عدم الخوض في الموضوع. «مرّت القصة بسلام، وأنا بخير. ما جرى معنا لا يستحق الخوض فيه أمام السيل الهادر من دماء السوريين الشرفاء»، يقول لنا بعد ساعات على مجزرة الحولة الفظيعة التي ذهب ضحيتها عشرات الأطفال. انطلاقاً من الفكرة ذاتها، كتب خليفة على صفحته على فايسبوك: «الحب يهزم الحقد الأسود دوماً، أنا بخير ولا شيء يستحق التبليغ عنه، كسر في اليد اليسرى يجعلني أكتب ببطء، وبعض الرضوض في الجسد والرأس ستنتهي، وكل ما حدث لا يوازي أظفار طفل شهيد». أحد الفنانين المشاركين في التشييع روى لـ«الأخبار» تفاصيل ما جرى، مفضلاً عدم ذكر اسمه: «اعترضتنا دورية الأمن عند اقترابنا من مسجد لالا باشا. في البداية، اقتصر تدخل رجال الأمن على السؤال عن أسمائنا، مؤكدين لنا أنّ ربيع الغزي شهيد بالنسبة إليهم أيضاً. وهنا بادر خالد بالتعريف عن أسمائنا، ثم أخبرهم بأنّ الراحل كان صديقنا وكان موسيقياً. لكن الأمر لم يدم على هذا النحو»، يضيف الفنان: «حالما بدأ التشييع وعلت أصوات التكبير، هجم الأمن علينا، وطلبوا أن نهرب قبل أن ينهالوا علينا ضرباً بالهراوات، ليكون أكثر المتضررين خالد خليفة». ويشير الفنان السوري إلى أنّ أحد عناصر الأمن «كان يسخر من الدكتور حسان عباس وهو يوجه إليه ضربات على قدميه، لأنه لا يجيد الركض». ويختم بالقول: «لقد نجونا من موت حقيقي؛ لأن الضرب كان مميتاً». على صفحته على فايسبوك، علّق الباحث حسان عباس على الحادثة: «انتبهت كم جامعة السوربون التي قضيت سنوات كثيرة من عمري أجتهد فيها لأحصل على شهادة علمية مشرفة... كم هي سخيفة وتافهة ولا قيمة لها؛ لأنها لم تعلمني كيف أركض أمام عنصر أمن!».