القاهرة | قبل أسابيع من «ثورة يناير»، قرّر خالد فهمي العودة نهائياً من «جامعة نيويورك» حيث كان يعمل أستاذاً مساعداً في تدريس تاريخ الشرق الأوسط، والقبول بمنصب رئيس قسم التاريخ في «الجامعة الأميركية في القاهرة». كان لدى فهمي إحساس بأن «ثمة شيئاً يحدث في مصر الآن». كان مشروعه الأساسي آنذاك هو «محاولة تحرير سلطة البحث من القبضة الأمنية، وخصوصاً أنّ «دار الكتب والوثائق القومية» تخضع لسلطة الأجهزة الأمنية والسيادية التي تحدد للباحثين ما يجب وما لا يجب دراسته».كان أكثر ما يصيب صاحب «كل رجال الباشا» بالحزن أن الباحثين المصريين يلجأون إلى وثائق الدول الأخرى للكتابة عن تاريخ بلدهم بسبب هذه القبضة الأمنية. ومن هنا يظهر سبب كتابة البعض عن حروب العرب مع إسرائيل من خلال الوثائق البريطانية والأميركية والإسرائيلية!
مع اندلاع الثورة المصرية، ثم نجاحها، وانتخاب رئيس جديد... لم يتغير شيء في علاقة الرقابة والأمن بالبحث العلمي والتاريخي. خلال الأسبوع الماضي، فوجئ فهمي برفض الرقابة على المطبوعات الخارجية الموافقة على استيراد «الجامعة الأميركية» لكتاب لا بدّ من تدريسه لطلاب قسم التاريخ، وهو «تاريخ الشرق الأوسط الحديث» لوليم كليفلاند ومارتن بونتون. وفيما لم تقدم الرقابة أسباباً لقرارها، يقول فهمي إن «الكتاب لا يتضمن ما يسيء إلى تاريخ العرب لا من قريب أو بعيد... بل يعدّ من أفضل الكتب الدراسية التي تقدم تاريخ المنطقة على نحو سلسٍ للطلاب المبتدئين، وهو ما حداني إلى استخدامه طوال 10 سنوات أثناء تدريسي في أميركا».
صاحب «الجسد والحداثة» يعبر عن غضبه بأنّ «مسؤولية الحفاظ على الأمن القومي» أصبحت في يد «موظفين متخلّفين في مكتب الرقابة على المطبوعات. يوماً بعد يوم، يثبت هؤلاء مدى جهلهم بأولويات البحث العلمي، بل أيضاً يؤكدون استهتارهم بالأمن القومي... وللمرة الألف أقول: إن الأمن القومي يا سادة، لا يتحقق بمنع الكتب، بل بإتاحتها». في السياق نفسه، علمت «الأخبار» من مصادر داخل مكتب الرقابة، أن الكتاب مُنع «بسبب غياب منطقتي شلاتين وحلايب (الحدوديتين مع السودان) عن صفحاته»... وهي حجة ساذجة وغير منطقية ولا تبرر المنع!