غزة | أن تُشاهد سيارة من نوع «سيمكا» موديل 1956 في شوارع غزة هذه الأيام يعني الكثير، ليس لأنّ صاحبها ياسر سالم (1965) مولع بجمع قطع الأنتيكا، بل لأنّها تُعيد إلى الأذهان ذكرى العدوان الثلاثي أيضاً. صاحبها أبو ماهر لم يكن وقتها واعياً للحدث، لكن استشهاد عمه يوسف، المجند في الجيش المصري أثناء ذلك العدوان، يجعل تلك الذكرى رطبة وباقية، كما تقف سيارة الـ«سيمكا» الفرنسية أمام عينيه حتى الآن. لكن ما حكاية هذه السيارة التي تستدعي كل هذه تلك الذكريات؟ في 1972، اشتراها الابن الأكبر للعائلة بما يُعادل 400 دينار حالياً. لم تكن مغرية آنذاك مقارنة بالموديلات الأحدث، لكنها كانت مناسبة لعائلة من الطبقى الوسطى كعائلة سالم، كما أنّ صعوبة وصول قطع نادرة إلى القطاع جعلتها مميزة إلى حد ما، لكنّ هواية الابن الأكبر في تبديل السيارات دفعته إلى بيع الـ «سيمكا» البيضاء بعد خمس سنوات من اقتنائها، واشترى بدلاً منها سيارة «كونتيسا» هندية. والمفاجأة أن شقيقه الأصغر أبو ماهر سيعثر بعد سنوات طويلة على الـ «سيمكا» معطلة ومغطاة بغبار السنوات داخل مخزن قديم، وسيشتريها بخمسة آلاف دينار. نسأله عن شعوره في تلك اللحظة؟ يبتسم لشقاوة الأيام الخوالي، ويسرد حادثاً لا يُنسى أثناء محاولته الأولى تعلّم قيادة السيارات: «كنت في الحادية عشرة فقط، وكنت أحاول القيادة بمساعدة نصائح شقيقي. قيادة مرتبكة جعلتني أصدم سيدة تقف داخل محل لبيع الدجاج، والحمد لله أن الأمر توقف على كسر في ساقها فقط». الحادثة كلّفته ثلاثة أيام في السجن، لكن صديقنا أبو ماهر يسترجعها بدفء غامر تُعيد إليه زمناً يفتقده هذه الأيّام. تخليداً لتلك الذكريات، صمّم على شراء الـ «سيمكا» وعلى صيانتها على نحو دوري. نسأله: هل كنت تتوقع أن تعود إلى الخدمة؟ يقول إن أهم شيء أنّ أجزاءها الأساسية لم تهترئ أو تتعرض للصدأ. لذلك كان واثقاً بأنها ستعود إلى العمل. هكذا، وخلال شهر واحد زوّدها بعجلات جديدة، وفرش داخلي، ومسّاحات زجاج، ومسجل صوت، وطلاء جديد، وها هي تتبختر في شوارع مخيّم البريج، حيث تقيم عائلة سالم. هي تحفة حقيقية عمرها 56 عاماً بالتمام والكمال، ولأنها قطعة أنتيكا، تزايد عدد الراغبين في شرائها، بل إن الشركة الفرنسية التي صنعتها طلبت من أبو ماهر شراء السيارة التي تعود إلى الجيل الأول من إنتاج الشركة، لكن رغم بساطة عيشه واعتماد دخله على إحياء المناسبات الاجتماعية والوطنية بالموسيقى والأغنيات، يرفض بيعها، حتى إنّه يفضّل قيادتها على سيارة «سكودا» حديثة يمتلكها. يخرج بها مساءً فقط، خشية احتجاز الشرطة ترخيص تحفته الستينية المنتهية صلاحية تأمينها منذ وقت طويل. يتجوّل فيها مع عائلته في المتنزّهات ومنطقة الجندي المجهول والشاطئ كي يسرقوا ساعات من المرح والاسترخاء، وهم يستمعون إلى الأغنيات الصاخبة التي تنبعث من مذياع الـ «سيمكا» القديمة.