نجهل حقيقة مواقف معشوقات الشعراء. ماذا كانت تفكّر أو تقول عبلة لعنترة، أو ليلى لقيس، أو بثينة لجميل. هل كانت خولة شقيقة سيف الدولة سعيدة بحبّ المتنبّي لها؟ هل «أحسّت» بهذا الحبّ؟ هل أَحبَّها أبو الطيّب حقّاً؟نرى غربة مستعصية بين لغتَي الجنسين، جسديّاً وذهنيّاً. نعود إلى الشعراء والأدباء والفنّانين والفلاسفة وربّما وعلى الأرجح إلى العلماء، نجد، من خلال الوثائق التي هي القصص والأفلام وكتب السيرة، أنّ الفرق في التخاطب بين الجنسين ناجم عن «نوعيّة» الحبّ لدى كلّ منهما، وعن التباين في مفهوم العلاقة.
يفهم كلّ واحدٍ جانباً من الآخر ولا يفهم جوانب، ويحبّ ملمحاً ولا يحبّ ملامح. أكثر مَن يرتاح هم الأشخاص «الطبيعيّون»، لا المأخوذون ولا العباقرة، لا الصوفيّون ولا «المتطلّعون». غير الطبيعيّين، مهما تكن درجةُ التناغم بينهم وبين شركائهم، سيظلّون وحيدين أو جلّادين أو ضحايا، وفي كلّ حالٍ غرباء.

■ ■ ■


نظرةُ الرجل المعجَب تحمل اشتهاءه. نظرةُ المرأةِ المشتهية تحملها بأسرها.


■ ■ ■


الشهوانيّةُ تأخذ حقوقها، العاطفيّة تؤخذ. الأولى إذا خسرت في ما بعد، عزاؤها أنّها كسبت في ما قبل، وأحياناً، إذا بَرَعت، يدمنها العاشق.
المرأة مظلومة في كلّ حال، لكنّ أبواب الشهوانيّة كثيرة، وعندما تُظْلَم فبعد أن تكون قد انتقمت سلفاً.

■ ■ ■


«كلّ دا كان ليه لمّا شفت عينيه؟» تسأل أغنية محمد عبد الوهاب. لعلّ واحداً من الأسباب أنّه رأى فيهما ما حُفظ حتّى الآن له وحده دون سواه.

■ ■ ■


تهدي النظرات خبايا الكائن وخفاياه وأسراره إلى الناظر. تهبان إيّاه روح صاحبتهما وجسدها والشوق الذي لا تعرف أين سيلقي بها... هل تحبّه؟ هل تعني هذه النظرات الثابتة الحارقة أنّها تستغيث؟ هل يتلقّى الناظر الرسالة كما أرادتها ذات العينين؟
في هذه اللحظات كلّ هديّة الذات. وستظلّ العينان، عينا تلك اللحظات، تحدّقان إلى الناظر من أعماق غرائزه وذاكرته، وكلّما واجهته نظرات إحداهنّ، وإلى نهاية العمر.

■ ■ ■


النظرات قربان الأحلام، وهي نفسها الضمير وجهاً وقفا.

■ ■ ■


العواطف الجيّاشة التي يظهرها الرجل للمرأة خلال احتدام رغبته، صادقة أثناءها. قلناها ونكرّرها: الجنس يأتي معه بحبّه. وحبّه نوعٌ من الحبّ، لا شكّ. المشكلة هي في الخلط بين الأنواع. بين الحوافز والمراحل. قليلة _ موجودة ولكنْ قليلة _ حالاتُ الثبات على إظهار العواطف قبل وبعد، وبلا تفاوت. أحياناً تنحبس العواطف بعد تحقيق الرغبة مرحلة تقصر أو تطول، وأحياناً أخرى، إذا كان الحافز محض شَبَقٍ عابر، تكون العواطف التمهيديّة غيمة صيف، ولا بدّ للمرأة، أيّاً تكن غصّتها، من اعتبار الأمر نزوة، لا جدوى من محاسبة الرجل عليها ولا من تقريع نفسها.
والأكثر عدلاً في هذا الإطار أن يكون الاثنان متساويين في الشَبَق وفي روح المغامرة العابرة.

■ ■ ■


أتظنّ أنّك تمتلك قوّة الحبّ أم ضعفه؟


■ ■ ■


أقوى ما في النظرة هو ما تقوله لنفسها وليس لك.

■ ■ ■


رأيتُ نهايتي عندما شَيَّعَتْني نظرة الآخر بتهذيبٍ مبتسم.

«ما من خطّة لجلّاد إلّا أوحتها له نظرة الضحيّة». (بيار باولو بازوليني)

■ ■ ■


نظركِ المفترِس يرى كلّ شيء في الشفّاف والشفّاف مُغْلَق على نفسه.

■ ■ ■


ليت جميع المشبَعين يصيرون مكبوتين ليحظوا بمثل لَفْح عينيكِ!

■ ■ ■


في عهد المرئيّات تُفِّهَ النظر. صارت العين، على قول أحدهم، كالفم، تلتهم كلّ ما تُلَقَّم.
إلّا عين الطفل.
ولو أُتخِم.
الحسناءُ هي الأنثى بعينَي طفلٍ جائع.

■ ■ ■


اعتدتُ الحياة وسوف أعتاد الموت ولم أنجح في اعتياد الحبّ.

■ ■ ■


ــــ لو استطعتِ أن تصنعي العالم على هواكِ فماذا تفعلين؟
ــــ أجعلكَ على الدوام مسحوراً بما أوحيه لا بما أفعله.

■ ■ ■


جحيمُ امرأةٍ هاربة نعيمٌ لمَن يلاقيها.

■ ■ ■


الماء للمرأة كالمرأة للمرآة: غلافها الثاني.

■ ■ ■


ما أعظم القدرة التي تكسر نرجسيّة الرجل وتوقعه في حبائل امرأة! خمس دقائق من غربته عن نرجسيّته تفقده رشده، تعميه. لم يكن يتوقّع أن يجد شيئاً يُحَبّ أكثر من نفسه. هرطقة وهرطقة مرغوبة! كيف هذا!؟ كيف حصل!؟
كان يعشق نفسه جسداً وروحاً. مَن هي هذه المختلسة المحتلّة؟ روحه كانت غرامه بنفسه، وإذا به تصبح غرامه بامرأة؟
بعد قليل سيحاسبها على هذا. سيدفّعها استرجاع عبادته لنفسه أقوى ممّا كانت وينقل لها هي أزمة الذات.
الرجل لا يفقد نرجسيّته بل يحوّلها من مجونٍ طائش أو تسلّطٍ أناني إلى اندحارٍ يعرضه كما لو كان مادة لاستدرار الشفقة أو الدلال. ينتقل من المستبدّ إلى المسكين المظلوم. يظلّ كيفما فعل هو المحور.
المرأة، مهما بالغت في تضخيم نرجسيّتها، لا تستمتع بها إنْ لم يكن لها شريك. هكذا تسقط اللعبة عند أوّل حلقة من الصدامات التي ستنشب. المرأة ترضى بشريك في النرجسيّة لكنّ الرجل لا يستطيع. لا مكان على هذا العرش لمالكين.

■ ■ ■


نتخيّلُ عرزالاً على سطح بيتٍ في القرية، لماذا لا نتخيّله ممكناً في السماء؟ بل في مدينة؟
نتخيّل السراح الحرّ في الطبيعة الخضراء، على شطّ البحر، في الغابة، بكأس خمر، بولعٍ جنسيّ، لماذا لا نتخيّله أيضاً في السماء؟
تمييزٌ لم تصنعه السماء بل نحن.
لا شيء يعطينا الإذن بهذا الحظر، لا دين ولا شريعة. وهو تَباخُلٌ من الإنسان واعتيادٌ لعدم النظر إلى فوق.

■ ■ ■


لم أعرف أعمق من رقّة المرأة. أشبه بأعماق المعبد: فيء البخور وطمأنينة كتمان الأسرار. لا فظاظة ولا صفاقة إلّا في المسترجلة.
ما تفقده المرأة لحساب حقوقها الجوهريّة يربحه الإنسان فيها وتربحه الأنثى. ما تفقده في حومةِ السباق على الخشونة ومضاهاة الرجل في الاستهتار بنظافته وشكله وخطابه، تخسره فيها الأنثى ويخسره الإنسان.
لعمق الرجل صدى التهديد. لم أعرف أعمق من رقّة المرأة.
لا رقّة في عمق الرجال كرقّة عمق المرأة إلّا بين القدّيسين، أو أولئك الذين كانت أرواحهم تتمنّى أن يُخْلَقوا بغير جنس.

■ ■ ■


نأخذ على العاشقَين أنانيتهما، اكتفاءهما بحبّهما. لا يشعران بمآسي المجتمع: لا حرب ولا وباء، لا فقر ولا أزمة.
صحيح، ولكنْ ما سبب هذا الشطح عن الواقع؟ وما غايته؟
السبب معروف: للحبّ عالمه ودنياه، وفي هذين ينتفي الزمن ومعه وقائعه ولغته.
أمّا غاية الانخطاف فهي التعويض عمّا سيليها من ارتطام بالأرض.
عيشوا أيّها العشّاق مَطْلَع السحر حتى الثمالة. لا تبقوا شيئاً في الكأس. بعد الصحوة، أقصى ما قد تحظون به من تضميدٍ للجرح هو لقاءٌ جديد. عودةٌ إلى المرّة الأولى. ثم عودة ثم عودة. لا تَسَلوا عن حاسدي اكتفائكم بذاتكم. لكُم أجنحة وتطيرون، كيف يمكن أن يفرح بكم السجناء؟