قد يلفظ بعض القرّاء اسم جَنان ملاط بطريقة خاطئة، أي بكسر الجيم لا بفتحها. لن يعجبها ذلك، فهي متمسّكة بالاسم، ومعناه «قلب» في اللغة العربية، وقد منحها إياه والدها الرئيس الأسبق للمجلس الدستوري، وجدي ملّاط. البعض الآخر، قد لا يتعرّف إلى اسم من كانت وراء فورة برامج الـ Talk show على الشاشات المحليّة، مع إنتاجها برنامج «الشاطر يحكي» الشهير عام 1995. طوال 24 عاماً من الوقوف تحت ضغط البث المباشر، مرت المنتجة الشهيرة بالكثير من نوبات البكاء، لكنّ الوقوف في الظل يناسب هذه المرأة المشاكسة. هناك، تتسنّى لها ممارسة ثوراتها الصغيرة بفعالية أكبر. «حين تكون في دائرة الضوء، تنبهر عيناك، فلا تعود ترى بوضوح، وتنتقص الأضواء المسلّطة عليك من حريتك». في البيت البرجوازي، أطلت جنان الطفلة على العالم متجاوزةً مجتمع الأشرفية «المنغلق» كما تصفه. مرويّات التاريخ العروبي على لسان جدها الشاعر شبلي ملاط، فتحت لها نوافذ عدّة، إضافةً إلى مربيّتها زكية التي كانت «جسرها إلى عالم الناس العاديّين». توسّعت تجربتها بسبب نزوحات عائلتها أثناء الحرب الأهليّة. بين بيروت وسوق الغرب، ومدارس «سيدة الناصرة» و«سيدة الجمهور» و«ثانوية عاليه الرسمية» تعرّفت الشابّة إلى أغاني عبد الحليم، كما أتيح لها ركوب الباص العمومي للمرة الأولى. الهجرة القسرية إلى فرنسا عام 1977 أكسبتها ألماً في معدتها، لا يزال يصيبها حتى اليوم كلّما سافرت. «أنا بروستيّة النزعة (نسبة إلى الكاتب الفرنسي مارسيل بروست)، أتعلّق بالروائح وبالأماكن، لهذا أحسست بغربة لا شفاء منها في فرنسا».
إلا أنّ الخلطة أتت بمفعولها: بين بُرجوازيي الأشرفية وأهل الجبل في عاليه، والبلد المتهاوي ومدينة الأنوار، نمت شخصية عصية على الترويض والاستلاب... إلى درجة أنها أبكت أستاذ الفلسفة في «مدرسة الجمهور» ذات يوم إذ قالت له إن «حصّته مملة». حازت الطالبة الرهيبة ذاتها مرتبة الشرف في البكالوريا الفرنسية عام 1979، وذهبت لتتابع حلمها بدراسة الأدب على خطى سيمون دو بوفوار وجان بول سارتر. هذه المرة أيضاً، لم تطل الإقامة. أعادها الحب، والإحساس بالغربة إلى لبنان لتكمل دراستها في الأدب الفرنسي، في «الجامعة اليسوعيّة» وتتخرّج عام 1983. إلّا أن البيت والوطن ضاقا على الصبية المشاكسة. «أردت المزيد من الحرية والاستقلالية. كان السفر مجدداً إلى باريس للدراسة بطاقة عبوري إليهما». في فرنسا، حازت عام 1986 دبلومين في الدراسات المعمقة: أحدهما في الأدب الفرنسي من «السوربون»، والآخر في الأدب الأميركي من «جامعة باريس 7». هذه المرة، كانت الإقامة ممتعة. لم يكن ثمّة خطط مستقبلية في ذهنها، إلا أن حادثة وشت بمستقبل لم تكن تتوقعه: عشية عودتها من باريس إلى بيروت لقضاء الإجازة عام 1987، خرجت من السينما حيث شاهدت فيلم Broadcast news للمخرج جايمس ل. بروكس مع ابن عمها الذي أسرّ لها: «أراك كثيراً في هذا النوع من المهن».
بعد فترة وجيزة، اتصلت بها صديقة الطفولة لينا شويري، ابنة رجل الإعلانات الراحل أنطوان شويري، ودعتها «إلى مقابلة بيارو». لم يكن بيارو سوى الشيخ بيار الضاهر، رئيس مجلس إدارة محطة فتية اسمها... «المؤسسة اللبنانية للإرسال». عَرضَ الضاهر على جَنان تولّي إدارة البرامج في الـC33 القناة الناطقة بالفرنسيّة، والتابعة للـ lbc. وافقت بعد تردّد، مع أنّه لم يكن يربطها بالتلفزيون حينذاك سوى شغفها بمتابعة برامجه على القنوات الفرنسية. «هو مجال صعب ومفخّخ بالمكائد، وبالغيرة بين زملاء المهنة. لكنّني تعلمت بسرعة، وانكببت على العمل، فاحترمني الجميع في النهاية». إلى جانب عملها في الـC33، بدأت إعداد البرامج في الـ «إل. بي. سي.»، وكانت الباكورة برنامجاً عن «المرض التابو»، عُرضَ بمناسبة اليوم العالمي للإيدز. «أتيت بفتاة تمارس الدعارة وبـ«قوّادها»، وبمدمن سابق للإدلاء بشهاداتهم على الهواء. طلبت من زميلي، مذيع الرياضة بوب أبو جودة تلقين المشاهد كيفية وضع الواقي عبر استخدام موزة. كان همي توعوياً وحقوقياً يتعلّق بعدم عزل المرضى، لا وعظياً أو أخلاقياً».
نجحت الحلقة، ومنذ ذلك الحين وقعت ملاط في شباك الإنتاج التلفزيوني. من هنا، جاءت فكرة البرنامج الحواري الأول الذي شاهده اللبنانيون عام 1995 على شاشة lbc: «الشاطر يحكي». تناولت الحلقة الأولى قضية الزواج المدني، وسط خشية كثيرين في القناة من إحراج السلطات الدينية المسيحية، إلّا أنّ جنان رفضت التسوية. المونتاج ممنوع. «البرامج الحوارية هي مرآة للمجتمع، يجب أن تظهر ما فيه من دون تلميع وتنقيح».
بعد 102 حلقة من «الشاطر يحكي»، «تعبت نفسياً من المشاكل الاجتماعية. ذات يوم، كنت أشاهد حلقات من البرنامج الفرنسي La fureur du samedi soir فأتتني فكرة برنامج منوعات عربي». كان البلد يشهد حينها انتعاشاً بعد أفول سنوات الحرب، وكانت «المؤسسة اللبنانيّة للإرسال» قد باتت قادرة على شراء حقوق بث برنامج أجنبي.
هكذا أبصر النور برنامج «يا ليل يا عين» عام 1999، تلته باقة من البرامج الترفيهية والفنية. ثم دارت الأيام، وعالم الإنتاج التلفزيوني لا يرحم. كثيرون لم يسامحوا جنان على نجاحها. استقالت من المؤسسة التي احتضنت صعودها، لتؤسّس شركتها الخاصة I Production، وصارت تنتج لقنوات عربيّة برامج مثل «إكس فاكتور»، و«الرابح الأكبر». لا تقبل جنان أن تطلق صفة «الإسفاف»، على بعض البرامج الترفيهية التي أطلقتها، وخصوصاً برامج تلفزيون الواقع. المرأة ذات الشخصيّة الطاغيّة، والحس المرهف، تسارعك بالجواب: «التلفزيون يعكس الواقع، والتسلية ليست جريمة. نحن، كمعدّين، لا نروّج للإسفاف، ولا نحرّض على الرذيلة. وفي النهاية من يراقب من؟ نشرات الأخبار في بلادنا فيها من العهر السياسي ما يسيء إلى المجتمع أكثر من كل أفلام الجنس مجتمعة». نهزّ رأسنا تظاهراً بالموافقة، من بوسعه أن يقف بوجه الابنة الرهيبة للمشهد الفضائي اللبناني؟ كيف نجادل تلك التي لم تعرف معنى كلمة ترويض؟



5 تواريخ


1963
الولادة في الأشرفيّة

1987
مديرة البرامج بالمصادفة، في قناة C33 التابعة لـ «المؤسسة اللبنانية للإرسال»

1995
أطلقت موضة البرامج الحواريّة مع إنتاجها البرنامج الشهير «الشاطر يحكي»

2003
أسست شركتها الخاصّة للإنتاج I Production

2011
تعمل على برنامج يتناول مشاكل الرجال والنساء سيُعرض على قناة mbc