ضجة كبيرة أثارها التقرير الذي عرضته mtv مساء السبت الماضي تحت عنوان «ظاهرة قديمة - جديدة: الإرهاب يستدرج الانتحاريّات». التقرير تحدث عن ظاهرة النساء اللواتي ينفذن عمليات «انتحارية»، سارداً تاريخ تطوّر هذه الظاهرة لتستهدف اليوم أبرياء ومدنيين عزّلاً. وبرغم إيراده أن المناضلة سناء محيدلي «فجّرت نفسها لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي عام 1985» من «أجل قضية وطنية»، الا أن سياقه ودمجه مع باقي الظواهر الإرهابية التي نشهدها اليوم، لا يمكن أن يشفعا لقناة «المرّ».
لا شك في أن التقرير الإخباري (2:15) استوحي واجتُزئ مضمونه من تقرير لمراسل وكالة «أسوشييتد برس» باسم مرّوة في بيروت نشر يوم الخميس الماضي. انطلق التقرير من حديث الساعة في العالم اليوم، أي عن حسناء بولحسن المغربية الأصل التي أثير الجدل حولها على خلفية اعتداءات باريس الأخيرة في فرنسا، ومداهمة شقة الارهابيين في مدينة «سان دوني»، فيما ظلت علامات الاستفهام قائمة حول تفجير نفسها بحزام ناسف أم لا خلال المداهمة.

تقرير الوكالة الأميركية انطلق من هذه الحادثة ليخلط الحابل بالنابل ويعود إلى نماذج كثيرة لنساء وصفهن بـ «الانتحاريات» من لبنان وفلسطين وتركيا وروسيا ونيجيريا والهند وباكستان. كذلك، فعلت mtv في استنساخ واضح للسياق وللأسماء وللتراتبية التاريخية لكن على نحو سريع ومختصر، مع التوقف عند التنظيم الإرهابي «داعش» الذي يجنّد الإنتحاريات ويحاول منافسة منظمة «بوكو حرام» في نيجيريا في عدد استخدام النساء لتنفيذ عمليات انتحارية.
وإذا سلّمنا جدلاً بأنّ الوكالات الأجنبية وقنواتها لا تقيم هذا التمييز بين العمل المقاوم المكفول في الشرائع والمواثيق الدولية، والعمل الإرهابي الانتحاري لأن سياساتها التحريرية والسياسية تفرض عليها ذلك، فما حال قناة المرّ التي أصرّت على أن تتصدر تقريرها المذكور صورة المناضلة سناء محيدلي مذيّلاً بعنوان «الإرهاب يستدرج الانتحاريات»؟ طبعاً، يقول بعضهم إنّ تاريخ mtv بات معروفاً في هذا التعاطي الإعلامي مع هذه القضايا، وحوادث كثيرة تذكر في هذا السياق بدءاً من وضع اسم «إسرائيل» على الخارطة الجغرافية والسياسية، وممارسة تهويل وتخويف للبنانيين بالاستناد الى «مصادر إسرائيلية أوردت للقناة»، وصولاً إلى تعويم وتمييع المفاهيم بين استشهادي وانتحاري كما حصل في تقرير بث في 13/2/2014 عن الإرهابي معين أبو ضاهر الذي فجّر نفسه بتفجير مزدوج في السفارة الإيرانية في بيروت، وأصرّت القناة وقتها على تسميته «الإستشهادي». وعللت الأمر بعد ذلك بأنه يندرج ضمن «الخطأ المطبعي». ولا شك أن تقريراً آخر ما زال يمثل في الأذهان عن خلطها بين «القاعدة» والعمليات البطولية للمناضلة سناء محيدلي والاستشهادي صلاح غندور.
ناشطو مواقع التواصل الاجتماعي استهجنوا هذه الحرب الناعمة التي تشنها mtv اليوم عبر هذا التقرير المشبوه وغير البريء الذي يموّه الحدود بين المقاومة المشروعة والإرهاب. دعا هؤلاء إلى مقاطعة الشركات المعلنة التي تتعامل مع القناة على غرار ما حدث مع الإعلامية المصرية ريهام سعيد التي أوقف برنامجها على قناة «النهار» على خلفية أزمة «فتاة المول» بسبب الضغط الذي مارسه إعلاميون مصريون على الشركات المعلنة.