«لا تقلّد الآخرين، بل اجعل فنّك ابن بيئتك». هذه الملاحظة التي وجّهها له مرةً «شاعر الشعب» عمر الزعني، حفزت إحسان صادق على الانطلاق في عالم الغناء والتلحين، قبل أن يغوص في التمثيل والكتابة وتقديم البرامج... بعد سنوات طويلة في ميدان الاستعراض، رسا الفنان اللبناني في «نقابة الفنانين المحترفين»، حيث يشغل اليوم منصب رئيس هيئة المتابعة فيها. موهبته الفنية بدأت من «تحت الصنوبرة»، حين أدّى دور فتاة في مسرحية ألّفها مع أصدقاء. يومها، لم يرُق لأولاد الحي أن يروه في زيّ أنثوي، فراحوا يرشقونه بالبطاطا.لم يذهب أنطوان خاطر (اسمه الحقيقي) في دراسته الأكاديمية بعيداً، فبعد سنوات على مقاعد مدرسة «سانت لورد» ثم «الفرير»، أجبره انصراف والده إلى ملذات الحياة على دخول ميدان العمل باكراً. عمل في مطبعة، ومزيناً نسائيّاً،

قبل أن يحدد وجهته في مجال العقارات، المهنة التي ورثها عن والده واحتفظ بها مصدراً للرزق إلى جانب الفن.
عام 1933، وفي عين الرمانة، ولد صاحب «يا أسمري يا سكري». وبين الشياح وفرن الشّباك (محافظة جبل لبنان)، عاش طفولته في خليط من «الولدنة» والفن.
حين تسأله عن العمل المفضّل لديه من بين الأعمال الدرامية والغنائية الكثيرة التي قدّمها، يفكر ثم يجيب بأنّ كلّ أعماله تكمّل بعضها. يعترف بأنّه لو حصر نشاطه في أمر واحد، لكانت عطاءاته أغزر: «بعد كل جديد كنت أقدمه، كان همّي الأول الحفاظ على احترام الناس».
كانت بدايته الفعلية مع فرقة «الأرز» عبر دور تمثيلي غنائي صغير في مسرحية «عذاب الضمير» للمخرج جورج قاعي. عُرض العمل على خشبة «المسرح الكبير» في قلب بيروت، وحقق نجاحاً كبيراً أدى إلى تحويله إلى فيلم بتوقيع قاعي عام 1953. بعدها بسنوات، شارك صادق إلى جانب محمد شامل وقمر، في فيلم جورج قاعي «قلبان وجسد» (1959) الذي عُدّ «انطلاقة السينما اللبنانية». شهد عرض الشريط إقبالاً كثيفاً، إلى درجة عملت الشرطة على تنظيم الدخول على أبواب الصالات. ويروي لنا الفنّان: «بعد هذا الفيلم، تشجع المخرج محمد سلمان (1922 ــ 1997) على العودة من مصر، والعمل في لبنان». بكثير من الحنين الممزوج بالندم، يسرد صادق تفاصيل تجربته مع المخرج الإيطالي Mario Sequi عام 1967. شارك يومذاك في فيلم «الكوبرا» الذي صوّر بين لبنان وإيطاليا، ومثّل هذا العمل محطة مهمة في مسيرته الفنية. حينها، عرض عليه سيكوي توقيع عقد يقضي بإنجاز مجموعة من الأفلام، على أن يركّز صادق على إتقان اللغة الإنكليزية. كان العرض فرصة لا تفوّت لفنان في بداياته، إلا أن الشاب الوسيم لم يتحمل البقاء سوى أشهر في إيطاليا، بعيداً عن حبيبته. هكذا ترك درب الشهرة العالميّة، وعاد إلى لبنان شوقاً إلى غلاديس.
بعيداً عن التجربة الإيطالية، حقق نجاحات في لبنان حيث شارك في نحو ثلاثين فيلماً. مثّل صادق إلى جانب وديع الصافي، ونصري شمس الدين، وليلى كرم، وطروب، وإبراهيم مرعشلي، ويونس شلبي، وعادل إمام، وعبد السلام النابلسي، وسميرة توفيق، وغيرهم... ويتذكر مشاركته في «بيروت صفر 11» (1967) لأنطوان ريمي، وفي «كلام في الحب» (1973) لمحمد سلمان مع الشحرورة صباح، وطبعاً في «سفر برلك» (1967).صوته الدافئ والقوي تجسّد في مجموعة كبيرة من الأغنيات مثل «لا لا» التي أعاد تسجيلها أخيراً الفنان طوني كيوان، و«لما شباكك»، و«على مهلك يا صبيّة»، و«فوق عيونك جوز سيوف»... تميّز أيضاً في برامج المنوّعات مثل «صندوق الفرجة» الذي عرض لأربع سنوات متتالية، و«مسك وعنبر»، و«ليالي السمر»... كذلك قدم العديد من المسلسلات مثل «فارس بني عياد» (1968)، و«ابن الحرامي وبنت الشاويش» (1971) و«المنتقم» (1969) الذي شاركته في بطولتها زوجته سميرة بارودي، و«الأسيرة» (1979) مع هند أبي اللمع... إضافةً إلى تأليفه الموسيقى التصويرية لمعظم برامجه ومسلسلاته والاستعراضات الفنية.
نساء كثيرات تنافسن على قلب هذا الفنان الشامل، وقد تزوّج في التاسعة والعشرين من الفنانة اللبنانية الراحلة نزهة يونس. لكنّ العلاقة لم تدم طويلاً لغياب «الانسجام الفكري». وفي 1969، اقترن بالمرأة التي ستبقى رفيقة دربه إلى اليوم، الفنّانة اللبنانية سميرة بارودي، نقيبة الفنانين المحترفين حالياً. نجح هذا الثنائي في تخطّي عقبة تقضي على الكثير من العلاقات: عدم الإنجاب. يقرّ إحسان صادق بأنانيته هنا، متجاوزاً كل الحواجز الذكورية «المصطنعة». كان بإمكانهما أن ينجبا، لكنه هام في دنيا الفن، وراح يسافر متفرغاً لحياته العملية، حارماً زوجته من تجربة الأمومة. غير أنّ بارودي رسّخت عند «شحاذ الأفكار» ـــــ كما لقّبه الشاعر اللبناني سعيد عقل ـــــ مفهوم «احترام المرأة». ولأنها تلعب دورها زوجةً وحبيبةً بتألّق، فقد عشقها بكل حواسّه: «أحاول دوماً أن أجد سبباً لأغضب منها، لكنني أفشل». «إحسان صادق أب لكل الفنانين»، هذا ما يجمع عليه العديد ممَّن أتيحت لهم فرصة العمل معه. من على مقعده الجلدي في غرفة داخل مقر نقابة الفنانين المحترفين في سن الفيل (شمال بيروت)، يسترسل في الحديث عن العمل النقابي الذي يأخذ كلّ وقته منذ عام 1993. نشاطه النقابي أبعده عن الساحة الفنية: «تأسيس نقابة الفنانين المحترفين رسالة مقدسة بالنسبة إليّ». وهو يتمنى أن يُطبّق مشروع النقابة، الداعي إلى حل كل النقابات الفنية في لبنان، وضمّها تحت لواء نقابة واحدة، ترعى شؤون الفنانين وتحصّل لهم حقوقهم، وتسهم في نهوض الواقع الفني اللبناني. «أرجو أن يكون صندوق التعاضد المشترك لكل النقابات الذي أسّسناه بادرة خير لنتوحد».
لا يختلف إحسان اليوم عن ذلك الشاب النابض بالحيوية والطموح الذي في الصور القديمة. خفّة ظلّه حاضرة، ملامح الوسامة لا تزال بارزة على وجهه. نلمس في نبرته إصراراً على مواصلة مشواره المطلبي، وعزماً على استثمار قدراته الفنية للارتقاء بالذوق العام في لبنان. فهو مؤمن بأنّ في بلاده مقومات كفيلة بإعادة فن التمثيل... إلى عصره الذهبي.



5 تواريخ

1933
الولادة في عين الرمانة، ضواحي بيروت، باسم أنطوان خاطر

1967
مثّل في الفيلم الإيطالي «الكوبرا» للسينمائي ماريو سيكوي، وفي العام نفسه مثل إلى جانب فيروز في «سفر برلك» لهنري بركات

1979
مسلسل «الأسيرة» مع هند أبي اللمع

1993
انصرف إلى العمل النقابي وعمله في تأسيس «نقابة الفنانين المحترفين»

2011
يُعدّ للأعمال الجديدة مع مجموعة من الفنانين اللبنانيين