غزة | «لماذا تربطين مصيرك بشخص محكوم عليه بالسجن المؤبد مرات عدة» هذه النصيحة كانت تتردّد دوماً على مسامع رائدة من أقاربها وصديقاتها خلال انتظارها الطويل لخطيبها. إثر اعتقال ظاهر قبها في العام 1994 بتهمة التخطيط لعملية في «إسرائيل»، حُكم على ابن بلدة برطعة الشرقية (قضاء جنين) بستة مؤبدات، فدخل معتقلات الاحتلال، تاركاً خطيبته رائدة التي لم تكن تبلغ حينها 17 عاماً.
ضغوط كثيرة كانت تمارس على الشابة لترك خطيبها والمضي قدماً في حياتها وتأسيس عائلة، خصوصاً أنّ المجهول كان عنوان تلك العلاقة. لكنّ رائدة أبت إلا الانتظار. وها هما بعد 18 عاماً من الانتظار، يتزوّجان منذ أيام بعد إطلاق سراح ظاهر ضمن عملية تبادل الأسرى الأخيرة.
العروسان تزوّجا في مكان وزمن لم يتوقّعاه. أقيم زفافهما في فندق «الكومودور» على شاطئ بحر غزة وسط احتشاد الكاميرات، والشاشات والشخصيات السياسية وعلى رأسها رئيس وزراء حكومة حماس المقالة اسماعيل هنيّة وعائلته. اجتمع ظاهر ورائدة ليحتفلا بزفافهما بعدما حرّرته صفقة الأسرى من حُكم بالسجن 99 عاماً. لكنّ الاحتلال أبى أن يتمم فرحته. إذ أبعده من جنين مقرّ إقامته، إلى غزة. لم يغضب ذلك خطيبته. جاءته على عجل من جنين إلى الأردن فمصر، فغزة، والتقته بعد 18 عاماً. أعوام يعلم الله وحده كيف مرّت. لكنّ رائدة آثرت طويها عاماً تلو آخر. عارضها أقرباؤها مع تقدّم كثيرين لخطبتها.. وكانت تبكي خفيةً عن أهلها كي لا يطالبوها بالانفصال عن ظاهر! بعدما انفصلت إحدى صديقاتها عن خطيبها الأسير، راودت تلك الفكرة رائدة. لكنّ شيئاً كان يمنعها من اتخاذ ذلك القرار. ما هو؟ تقول لنا ببساطة «خسارة كنّا نضيع من بعض». أشياؤهما الخاصة كانت تواسيها. لكنّ زفاف قريباتها كان يزرع المرارة في قلبها. كانت كوة الأمل الوحيدة بالنسبة إليها، عندما تزور خطيبها في السجن بين فترة وأخرى، كي تجدد العهد بينهما. كان لقاؤه يمنحها زاداً للإصرار ومواصلة الحياة والأمل. كان ظاهر يصنع لها هدايا خشبية في السجن، تفرح بها، وتضمّها حتى جاءها يضمها بنفسه. تروي لنا رائدة تلك اللحظات مع ابتسامة ترتسم على شفتيها. ساعات الليالي الطويلة انتهت، وظاهر يعدها بتعويض كل تلك السنوات التي ضاعت.