عاشت حنان الشيخ (1943) طفولة مشوشة. الوالدة تركت الأسرة لتعيش مع حبيبها. الوالد في دكانه طوال اليوم. هكذا، وجدت نفسها وحيدة ومتروكة بين خالاتٍ وأخوالٍ وجيرانٍ كثيرين. الوحدة لم تكن سيئة كلها، فقد جلبت معها نوعاً من الحرية والتمرد. غياب الأب أضعفَ السلطة الذكورية. الزحام العائلي جعلها غير مرئية تقريباً. تقول إنها كانت تسمع أصواتاً خفية تعتني بها وترشدها. تعلمت أن تكون قوية ومشاكسة. كان عليها أن تجد شيئاً تتغلب به على تجاهل المحيط لها ولأختها، إذْ ظلتا توصفان بـ«البنتين اللتين تركتهما أمهما». عاشت مع الجميع لكن على حدة. الشغف بالكلمات أبعدها عن مصائر قريناتها. في المدرسة، تفوقت في مواضيع الإنشاء. كانت تنتظر حصة الجغرافيا بسبب المعلمة ذات الشعر المفلوت والحضور الواثق. لم تكن تلك المعلمة إلا ليلى بعلبكي التي ستكون باكورتها الروائية «أنا أحيا» علامة فارقة في ثقافة المدينة وحداثتها الصاعدة.من منطقة «رأس النبع»، حيث يقيم أهلها، راحت الصبية الحالمة تتردد إلى وسط المدينة ومقاهي شارع الحمرا. في واجهة «مكتبة أنطوان»، رأت الطبعة الأولى من «أنا أحيا»، وهي توصل وجبة الغداء لوالدها في سوق سرسق. مثل الأصوات التي كانت تسمعها، كان العنوان يدعوها إلى أن تعيش حياة مماثلة لبطلة الرواية. لاحقاً، ستصارح أباها المتديّن بأنها كانت تضع الحجاب في حقيبتها لا على رأسها، وستُدرك أنها ــ مثل أمها ــ مدعوّة للخروج من بيئتها الضيقة. هكذا، بدأت تنشر كتاباتها في جريدة «النهار». «كنا نذهب أنا وراغدة درغام إلى مبنى الجريدة، ونسلم نصوصنا لموظف الاستقبال، ونجدها منشورة بعد أيام». كان ذلك تشجيعاً على الانتماء أكثر إلى عالم الكتابة.
من مقالاتها وتحقيقاتها الثقافية في مجلة «الصياد»، جمعت بعض النقود كي تقنع الوالد بأن يسمح لها بإكمال دراستها الثانوية في مصر. اتفقت مع الراحل جورج ابراهيم الخوري على الكتابة في المجلة من القاهرة، وأعطاها أسماء بعض الكتاب المصريين هناك. أنهت الثانوية. درست الصحافة سنتين. نشرت بعض المقالات في «روز اليوسف». كانت في التاسعة عشرة، ومغرمة بروايات نجيب محفوظ ويحيى حقي. لكن إحسان عبد القدوس هو من وقع في غرامها في تلك الفترة. في القاهرة، كتبت روايتها الأولى «انتحار رجل ميت» تحت تأثير قراءاتها الوجودية، خصوصاً رواية «السأم» لألبرتو مورافيا. عادت إلى بيروت. قدمت المخطوطة لمسابقة نظمتها «دار النهار» سنة 1968. لم تفز، لكنها كانت راضية لأن الفائز كان الشاعر الأردني تيسير سبول الذي انتحر لاحقاً.
لم تعد إلى القاهرة لإكمال دراستها. استأنفت النشر في «النهار»، وعملت في مجلة «الحسناء» لكنها لم تهجر الرواية. أصدرت باكورتها سنة 1970. تزوجت وانتقلت للعيش في السعودية حيث يعمل زوجها. هناك، كتبت روايتها الثانية «فرس الشيطان» التي تمر فيها الأيام متشابهةً على بطلتها اللبنانية «سارة». ضمت الرواية شذراتٍ من سيرة شخصية، ونشرت عشية الحرب الأهلية اللبنانية، وأشاد بها الناقد المصري غالي شكري «كصوتٍ جديد يستكمل جهود غسان كنفاني وحليم بركات وليلى بعلبكي في تناول الواقع بأساليب سردية جديدة». الحرب أبعدتها مع ابنيها الصغيرين إلى لندن. هناك كتبت «حكاية زهرة» التي وضعت اسمها في مقدمة المشهد الروائي اللبناني. أعادتها الرواية إلى مناخات طفولتها. خلطت ماضيها مع حاضر الحرب من خلال علاقة البطلة مع القناص. «كان ذلك تسوية وجدانية مع بيئتي الأولى. وضعت حياتي في شارع الحمرا ومقهى الـ«هورس شو» جانباً. كانت بطلات الرواية وقتها نساء عصريات وجريئات. أنا اخترت امرأة بسيطة تشبه نساء طفولتي». كانت الرواية منعطفاً حقيقياً في تجربتها، بحيث «بدت روايتاي السابقتان مجرد تمارين في الرواية».
مع ذلك، «لم تجد الرواية ناشراً، فأصدرتها صديقتي الرسامة نجاح طاهر على حسابها». تُرجمت الرواية إلى الفرنسية ضمن عشر روايات أصدرها «معهد العالم العربي» في باريس، ثم حصلت على جائزة مجلة Elle، وانهال عليها المديح. هناك مَن مدحها بسبب «جرأتها في ابتكار سرد مختلف للحرب» كما كتب الناقد سليم نصيب، ومن عزا نجاحها إلى احتوائها على الجنس فقط، كما كتب يوسف إدريس.
على تلك الخلفية، أصدرت حنان الشيخ روايتها الرابعة «مسك الغزال»، مستأنفةً العوالم الخليجية التي سردتها في روايتها الثانية. هكذا، أُضيفت المثلية الجنسية إلى الجنس والاغتصاب اللذين حضرا سابقاً. تُرجمت الرواية إلى الانكليزية، فلاقت مزيجاً من المديح والهجوم. تقلل حنان الشيخ من أهمية الاتهامات التي يسوقها بعضهم ضد رواج أعمالها في الغرب. «أنا أكتب ما أحبه وأتقن كتابته. لم أخترع الجنس ولا المثلية، ولا أفكر في تقديم موضوعات غرائبية تثير فضول القارئ الغربي». تعترف بأن بعض الأعمال تُقرأ بطريقة اكزوتيكية، لكنها تشير إلى «ترجمات كثيرة لم ينل أصحابها الحظوة نفسها، رغم أنها محشوة بالجنس»، وتعزو رواج رواياتها في الخارج إلى «الموضوع والأسلوب معاً».
إقامتها الطويلة في لندن صالحتها أكثر مع تجربتها، وحررتها من التأثير السلبي لهذه الاتهامات. هكذا، توالت أعمالها: «بريد بيروت» التي امتدحها سلمان رشدي في الـ«إندبندنت»، واختيرت ضمن أهم 50 كتاباً صدرت في ذلك العام في الولايات المتحدة. كتبت مسرحيتين بالانكليزية، وعُرضتا على مسارح أوروبية وأميركية بإخراج تيم سابل. أصدرت مجموعة «أكنس الشمس عن السطوح»، ورواية «امرأتان على شاطئ البحر»، قبل أن ترتاح من موضوعاتها اللبنانية، وتصدر «إنها لندن يا عزيزي». مزجت الرواية المذكورة الشرق بالغرب، لكن خياراتها لم تتغير كثيراً، فحضرت شخصية المومس العربية والمثلي العربي، إلى جوار علاقة البطلة برجل بريطاني. ثم تحررت من كل ذلك في رواية «حكايتي شرح يطول»، لتسرد حكاية أمها.
أعادتها الرواية الأخيرة إلى عوالمها المحلية، لكن الترجمة والإقامة البريطانية واصلتا تعزيز حضورها الأدبي في الخارج، وإضعاف حضورها في لبنان والعالم العربي. لا تتضايق حنان الشيخ من صورتها هذه. هل لديها عتبٌ ما؟ تبتسم، وتقول: «ليس لدي أيّ عتب، كما أنني لستُ مغيّبة. أنا اسم قديم، وهناك أسماء جديدة ينبغي أن تأخذ حقها. لستُ طماعة، ولا أريد أن آخذ ما هو لي ولغيري».
وماذا عن جديدها؟ تقول إنها كانت منكبة على رواية جديدة، حين طلب منها المخرج سابل نصاً عن «ألف ليلة وليلة». ظنت أنها قادرة على إنجاز النص المطلوب، وإكمال روايتها، لكن «ألف ليلة وليلة» أخذها بالكامل. هكذا، تأجلت الرواية الجديدة، بينما جالت المسرحية بممثليها العرب في مهرجانات عدّة. النص المبتكر من توليف عشرين حكاية تزامن صدوره مع «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» بعنوان «صاحبة الدار شهرزاد»، لكن ظرفاً صحياً منع «شهرزاد الجديدة» كما وصفها البعض في الغرب من حضور حفل التوقيع منذ أيام.



5 تواريخ





1943
الولادة في «أرنون» جنوب لبنان

1970
باكورتها «انتحار رجل ميت»

1976
انتقلت إلى لندن بسبب الحرب الأهلية، ولا تزال مقيمة هناك

1980
روايتها الثالثة «حكاية زهرة» التي ترجمت إلى لغات عدّة، وحصلت على جائزة مجلة Elle في باريس

2011
صدور «صاحبة الدار شهرزاد» (دار الآداب/ بيروت) في «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب»، وكان المخرج البريطاني تيم سابل قد قدّم النصّ بالانكليزية على الخشبة في لندن، بمشاركة مجموعة من الممثلين العرب