بغداد | انتهت مراسم أعياد الميلاد في العراق على نحو هادئ ومن دون أن تشهد أعمال عنف. وقد استقبلت الكنائس بحذر بالغ مَن بقي من مسيحيّي بلاد الرافدين، وازدحمت مواقع التواصل بتبادلٍ للتهاني ذي نبرة خافتة، بسبب الاضطراب الحاصل في المشهد العام. وها هم العراقيّون الحيارى يستعدّون لاستقبال العام الجديد بمزيد من القلق إزاء مستقبل البلاد، وسط غياب شبه تام للمظاهر التي تزخر بها عواصم العالم احتفاءً بليلة رأس السنة. ورغم اعتزام البعض تنظيم احتفالات عائليّة بسيطة، إلا أنّ سؤال الحياة المهدّدة وخيارات البقاء والعيش بسلام خيّمت على المشهد. كلّ تلك الأسئلة تأجّجت أكثر مع قيام المصوّر العراقيّ هاتف فرحان بنشر صورة على فايسبوك، التقطها لفتاة عراقيّة تجلس على أحد أرصفة شارع المتنبي في العاصمة، وهي تتصفح كتاباً بعد يوم واحد على الأحداث الدامية التي شهدتها بغداد الخميس الماضي. وفجأة، صارت هذه الصورة الأكثر رواجاً بين الكتّاب والمثقفين العراقيّين. وأعاد كثيرون نشرها على صفحاتهم، بل راحت مواقع إلكترونيّة تكتب عن الفتاة، ومنها موقع «ساحات التحرير»، الذي وصفها بـ «فتاة المتنبي»، التي «أشعلت النار في هشيم العلمانيّين العراقيّين».

صاحبة الصورة كما قيل إعلاميّة في فضائيّة محليّة، تهتم بالشأن الثقافيّ. وكان افتراشها الأرض بمثابة تحدٍّ للخراب، والظلاميّة التي تريد أن تتسيّد المشهد العراقي. وقد توالت التعليقات على فايسبوك كأنّ الصورة هبة من السماء في أيّام صعبة ومحزنة. حتى إنّ صاحبها كتب لاحقاً عن سبب نشرها: «أريد أنْ يعرف الجميع أنّ الحياة الجميلة تستمرّ رغم ما حصل وسيحصل... أريد أن يعرف الجميع أنّ المفخخات والعبوات الناسفة وكواتم الصوت لم ولن تمنعنا من الاحتفاء بالحياة ونعمل ما هو جميل لنبيّن للمجرمين مدى قباحة أفعالهم».
هكذا طغى مشهد هذه الفتاة البغداديّة (الصورة) بما حمله من حبّ للحياة على المشاهد الدموية والعنف. لقد قدّم هاتف فرحان هذه الالتقاطة الذكيّة من سيرة بلاد تتقلب دوماً بين الموت والحياة، القبح والجمال، الكراهية والحبّ. ولا ندري حقاً أيّ كفة ستنتصر في النهاية.