تُعَدّ الأدوية المسكّنة للآلام، وخاصة بعد العمليات الجراحية المعقدة، ضرورية جداً لتمكين المريض من تحمل التبعات الناجمة عن الجراحة. إلا أن هذه المسألة تعتبر حساسة لناحية الجرعات المستعملة لأن الجسم يتأقلم مع هذه المسكنات وينخفض تجاوبه معها تدريجاً، وبالتالي يحتاج إلى زيادة الجرعات كمّاً ونوعاً كي يتمكن من تحمل الألم.
فمع ازدياد الجرعات، تزداد العوارض الجانبية للمسكنات، ما يجعل من هذا الموضوع أمراً دقيقاً ينبغي الحذر في التعاطي معه. من هنا، تبرز أهمية تطوير عقاقير جديدة مع عوارض جانبية أخف، لا تتسبب بالإدمان عليها وهو ما كانت عشرات الفرق البحثية الطبية حول العالم تعمل عليه.
ومع الاكتشاف الجديد، أصبح من الممكن تطوير هكذا مسكنات من مكونات طبيعية يفرزها جسم الإنسان نفسه من خلال اللعاب، من دون الحاجة إلى تركيبات كيميائية معقدة تحمل أضراراً لوظائف الجسد البيولوجية ولأعضائه ومكوناته على المديين القصير والبعيد.
للمورفين أعراض جانبية معروفة كالمشكلات التنفسية، مشاكل النوم، الدوار، الغثيان والإمساك، بالإضافة إلى مشكلة الإدمان عليه، ومن الممكن أن تتطور هذه العوارض بشكل دراماتيكي بما يؤثر على حياة الإنسان نفسها إثر تعاطي جرعات كبيرة منه. فالمورفين لا يطال فقط مصادر الألم في الجسم، بل ترتبط جزيئاته بالعديد من الخلايا والأنسجة في مناطق مختلفة في الجسم، ما يسبب الأعراض الجانبية.

{الأوبيورفين»
موجود طبيعياً في لعاب الإنسان


أما "الأوبيورفين" فهو مسكن analgesic قوي جداً يعمل بآليات مختلفة أقل ضرراً لأنه لا يقوم سوى بتفعيل مسكنات الألم الطبيعية الموجودة في جسم الإنسان، وتحديداً "الإنكيفالين" الذي يقضي على الآلام، لكنه سرعان ما يتفكك بعد وقت قصير. وقد أدى حقن الـ"أوبيورفين" في الاختبارات على الحيوانات إلى تأخير تفكك "الإنكيفالين" والحفاظ على مستويات كافية منه للقضاء على الآلام لأوقات طويلة. وفي أحد الاختبارات، مشت الفئران المحقونة بهذا الجزيء على إبر مسنونة من دون أن تشعر بالألم أو أن تقوم بردود فعل عكسية.
من النتائج المهمة لهذه الدراسة على الحيوانات المختبرية أنها أثبتت أن الكثير من الأعراض الجانبية لمسكنات الآلام تم تخطيها، والأهم بين هذه العوارض هي مشكلة فشل الجهاز التنفسي الذي قد يؤدي إلى الموت في حالاته القصوى بسبب توقف محفزات التنفس الطبيعية عن العمل بعد تأثير المورفين عليها. وفي التجارب التي جرت، وجد الباحثون أن وتيرة التنفس ومعدلات الأوكسيجين وضغط الدم ودقات القلب لم تتأثر على الإطلاق نتيجة استعمال الأوبيورفين، وهو ما يعدّ الإنجاز الأكبر في هذا المجال لأنه يسمح بتفادي أخطر العوارض الجانبية التي كانت معروفة سابقاً. وقام بعض الباحثين بربط هذا الاكتشاف مع حقيقة أن جروح اللثة وداخل الفم تتعافى من الألم أسرع من الجروح العادية في الجسم، كما يمكن أن تفسر قيام الحيونات بلعق جروحها للتخفيف من الوجع الناجم عنها، رغم أن الدراسة لم تتطرق إلى هذا الموضوع بشكل مباشر.
من المتوقع أن تبدأ الاختبارات الأولى على البشر في أواخر العام الجاري للتأكد من نتائجه كما من عوارضه على الإنسان، ليبدأ بعدها استخدام هذا العقار خلال السنوات القليلة المقبلة بشكل تجاري واسع. وستكون لهذا المسكّن استعمالات أخرى لإزالة الآلام المرتبطة بأمراض أخرى مثل أوجاع الأعصاب المرضية وغيرها من الآلام المستعصية. وكي يتحول هذا العقار إلى الإنتاج الواسع، يجب الانتقال من مرحلة استخراجه من اللعاب الطبيعي إلى مرحلة إنتاجه اصطناعياً بنفس التركيبة والمواصفات.

تاريخ المورفين

المورفين مادة مسكنة قوية التأثير يتم استخراجها من نبتة الأفيون وتستعمل لتخفيف الآلام الحادة والمستدامة مثل تلك الناجمة عن عمليات جراحية أو إصابات بالغة، كما تستعمل لتخفيف آلام الولادة. بدأ استخراج المورفين من الأفيون في عام 1803 وكان يستعمل في البدء كمادة منومة. يأتي اسم المورفين من كلمة "مورفيوس" وهو إله الأحلام عند اليونانيين لأن أول استعمال له كان للتنويم. بدأ الإنتاج الواسع لهذه المادة عام 1828 بعدما اكتشف تأثيرها كمسكن قوي يمكن أن يتم تناوله من خلال الفم أو الحقن في العضل أو الحقن في الدم، ويبدأ تأثيره خلال وقت قصير نسبياً ويستمر لحوالى 8 ساعات. زادت نسبة استهلاك المورفين في التطبيقات الطبية بأربعة أضعاف خلال العقدين الأخيرين بحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية، وهو يستعمل أيضاً لإنتاج مادة "الهيرويين" الأقوى تأثيراً والأكثر إدماناً والتي توجد لها استعمالات طبية إلى جانب انتشارها كمادة مخدرة غير شرعية.