صحيح أن قانون تعيين الناجحين الفائضين في مباراتي 2008 و2016، هبط كمظلة سياسية وانتخابية، ضارباً بعرض الحائط مستوى التعليم وأنظمة الوظيفة العامة، وناسفا مبدأ المباراة ومهلة السنتين للحفاظ على صلاحية النجاح.
إلاّ أنّه يأتي أيضاً في وقت لا تزال آلية التعاقد مع الأساتذة الثانويين الرسميين تفعل فعلها كشكل من أشكال «التنفيع» السياسي والطائفي، لدرجة بات عدد المتعاقدين يشكل نصف عدد أساتذة الملاك (2419 متعاقداً ومستعاناً به مقابل 4299 أستاذاً في الملاك). والنقاش لا يكمن في ما إذا كان لهؤلاء حق في التثبيت أم لا، بل في السياسات العامة التي خرّبت التعليم لسنوات طويلة ولا تزال. ولا يمكن للأساتذة أن يكونوا وحدهم مسؤولين عنها، وأن يكونوا بالتالي ضحايا قوانين جزئية منفصلة عن أي تصور جذري لحل المشكلة، ومنها إعادة الاعتبار لدور كلية التربية في الجامعة اللبنانية في الإعداد المسبق واختيار الأستاذ صاحب الكفاءة لا صاحب الحاجة.
ما أقره مجلس النواب في جلسته التشريعية الأخيرة هو إدخال 2020 أستاذاً «ناجحين فائضين» في مباراتي مجلس الخدمة المدنية للعام 2008، والعام 2015 ــــ 2016، إلى ملاك التعليم الثانوي الرسمي في السنوات الأربع المقبلة. القانون دمج نتائج مباراتين مختلفتين، الأولى جرت في 2008 وتضم 459 أستاذاً منهم 134 مثبتون في ملاك التعليم الأساسي الرسمي، والثانية امتدت على عامي 2015 و2016 وتضم 1560 أستاذاً. واشترط القانون أن يتم التعيين وفق الحاجة الفعلية للثانويات مع مراعاة التسلسل، بحيث تنظم لائحة واحدة بالناجحين وفق تسلسل نجاحهم في كل اختصاص، على أن تنظم وزارة التربية مباريات دورية كل سنتين لتلبية الحاجة المستجدة.

سيخرج نحو 800 أستاذ
إلى التقاعد في
السنتين المقبلتين


قد يحتاج ملاك التعليم الثانوي الرسمي لأساتذة في السنتين المقبلتين بصورة خاصة، إذ سيخرج نحو 800 أستاذ إلى التقاعد. لكن السؤال بمن يُستبدل هؤلاء؟ وهل مجرد النجاح في مباراة مجلس الخدمة المدنية كافٍ للتعيين، خصوصاً أنّ نظام الموظفين واجتهادات القضاء الإداري لا تولي الناجحين حقاً مكتسباً، باعتبار أن هؤلاء قد يكونون ناجحين بمنطق الامتحان لكنهم راسبون بمنطق المباراة؟ وما هو المسوغ القانوني والتربوي للدمج بين مباراتين جرتا في ظروف مختلفة لجهة طبيعة الأسئلة والتقويم وأخذ ناجحين نالوا العلامات الدنيا وربما نجحوا بعلامات استلحاق؟ وألا يضرب ذلك مستوى التعليم ويقطع الطريق على متخرجين جدد يريدون دخول المهنة في السنوات المقبلة؟
في مهنة التعليم، تكرست على مدى السنوات الماضية قاعدة توظيف ما اصطلح على تسميته «ناجحين فائضين» في المباراة، أي الأساتذة غير المدرجين على لائحة الناجحين المقبولين، بذريعة الحاجة لهؤلاء الأساتذة، من دون أي اعتبار لنوعية التعليم. ففي مباراة 2008 تم توظيف الناجحين المقبولين ودفعتين من الفائض وتوقف الدور عند الدفعة الثالثة تحت ذريعة وحيدة أنها لا تحقق التوازن الطائفي (وكان من المعترضين يومها النائبان آلان عون وسامي الجميل)، علماً أن اقتراح القانون الذي سعى اليه الناجحون، بموافقة معظم الكتل النيابية، والذي عرض على الجلسة العامة للمجلس النيابي لمرات عدة، لا يأخذ في الاعتبار مهلة السنتين التي ينص عليها نظام الموظفين، والتي يخسر المرشح بمرورهما نجاحه. بعد 9 سنوات، عاد الجميل وعون للاعتراض على تعيين هؤلاء الأساتذة لأسباب أخرى، فانتقد عون «كيف بتنا نعطي كل من لديه 10 من 20 حقاً مكتسباً بالتوظيف»، فيما رأى الجميل أن كل الآلية المعتمدة خاطئة، باعتبار أنّ مفعول مباراة 2008 انتهى في 2010، وفي هذا الوقت هناك أشخاص تقدموا في العام 2015، وبذلك فوّتنا الناس ببعضهم»، داعياً إلى تثبيت كل المتعاقدين في الجمهورية اللبنانية على قاعدة المساواة! أما النائب علي فياض فبدا مرتاحاً «للإنجاز»، مشيراً في تسجيل صوتي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن ترتيب الأسماء وفق العلامات معيار محق وأن هذا القانون سيقطع الطريق على أي تعاقد جديد، بينما لن نسمح لأحد بالمس بالتعاقد القديم. ووصف وزير التربية مروان حمادة القانون بالتصفية للمتعاقدين وغير المتعاقدين لحفظ حقهم، متعهداً أمام المجلس النيابي بعدم اللجوء إلى التعاقد والنقل من ثانوية إلى أخرى على حد سواء. واشترط وزير المال علي حسن خليل لتصديق القانون منع النقل لمدة 5 سنوات وأن يتم تعيينهم في الأقضية والمحافظات التي تحتاج إليهم.
إلاّ أن الأساتذة الناجحين في 2008 وجدوا في الصيغة التي خرج بها القانون مجحفة بحقهم. وتحدثت سحر صالح عن "ظلم لحق بدفعتنا نتيجة خلط علاماتنا مع علامات فائض 2016، علماً بأنهم الفائض الأول ومن الطبيعي أن تكون علامات الجميع متقدمة عن علاماتنا". وذكرت صالح أنهم فائض في بعض المواد ( اللغة العربية، اللغة الفرنسية، اللغة الإنكليزية، طبيعيات باللغة الفرنسية والفلسفة)، وليس في كل المواد.
في المقابل، بدا ناجحو 2015 ــ 2016 مطمئنين للصيغة التي تم التوصل إليها بعد تحرك قاموا به باتجاه الكتل النيابية، باعتبار أن ما طالبوا به، بحسب زينة مشيك، هو مساواتهم مع زملائهم، بإقرار قانون منصف وعادل يجمع بين فائضي 2008 و2015 في سبيل تعيين كل الناجحين بعد مضي أربع سنوات.
لكن مصدراً إدارياً مطلعاً أسف للتلاعب بالقوانين وأنظمة الوظيفة العامة وتعديلها لمصالح شخصية وانتخابية لجهة نسف مبدأ المباراة والمهل التي ينص عليها نظام الموظفين، فيما بات النجاح يتحول إلى قميص عثمان، مبدياً خشيته من أن يتحول هذا القانون إلى سابقة في الاختصاصات الأخرى. وذكّر المصدر رئيس الجمهورية بأنّه يستطيع أن يرد هذا القانون إلى المجلس النيابي، في مهلة أقصاها ثلاثون يوماً، تحت ما يسمى الرقابة الشائعة، وبذلك يصبح القانون بحاجة إلى موافقة الثلثين وأن لا يبدأ عهده بضرب مستوى التعليم وأنظمة الوظيفة العامة.




كلية التربية: الإعداد المسبق

بعيداً عن القدرات العلمية للأساتذة، تملك كلية التربية في الجامعة اللبنانية موقفاً استراتيجياً من آلية رفد التعليم الثانوي بأساتذة، فترى عميدة الكلية د. تيريز الهاشم أن نظام التوظيف في التعليم يحتاج إلى مراجعة لجهة إعادة الاعتبار للإعداد المسبق في كلية التربية لمدة 5 سنوات، والذي يجري على أساس دراسات تحدد الحاجة في كل اختصاص، لا سيما أنّ مهمة إعداد أساتذة للتعليم الرسمي هي سبب وجود الكلية أصلاً. وتشير إلى أن المعادلة اليوم مقلوبة فالأساتذة ينجحون في مجلس الخدمة المدنية ويدخلون الصفوف من دون أن يكون لديهم إعداد تربوي في إدارة الصف وتطبيق المناهج وتحقيق الكفايات لدى التلميذ وغيرها، فيما نرصد لهم موازنة ضخمة مكلفة للإعداد اللاحق (سنة الكفاءة بعد التعيين). وتوضح الهاشم أن مفاعيل الدورات التدريبية ومنها التدريب المستمر الذي ينظمه المركز التربوي تصبح أقل بكثير، في ما لو لم يكن هناك إعداد مسبق. تقول: «لن يستقيم الوضع في التعليم الرسمي ما لم يجر التعاون بين كلية التربية والمركز التربوي والارشاد والتوجيه والتفتيش التربوي».