مع تغير ظروف الحياة وتبدل نوعية التغذية وتراجع وتيرة الحركة، شهد العالم في العقود الأخيرة ارتفاعاً في مختلف أمراض القلب والشرايين، إذ صارت هذه الأمراض من أوائل أسباب الوفاة المباشرة وغير المباشرة، بحسب ما تفيد إحصاءات منظمة الصحة العالمية. وفي الوقت نفسه، تطورت تقنيات العلاج الخاصة بهذه الأمراض بشكل سريع حيث انتشرت في مختلف دول العالم العمليات الحديثة التي تشمل زرع أدوات مساعدة مثل منظمات النبض للقلب (pacemaker) والصمامات البديلة والنوابض اللولبية (راسورات) للشرايين أو استبدال شرايين وأنسجة تالفة.
ويتضمن أحد العلاجات لمرضى فشل القلب زرع مضخات مساعدة للقلب تقوم بضخ الدم من خلال أنبوب يمتد داخل الجسم. وقد ساعدت هذه التقنيات في إنقاذ حياة الملايين من المرضى. وقد وصل آخر الإنجازات العلمية إلى عملية زرع قلب بديل للمرضى المصابين بداء فشل القلب الحاد، وهو ما يعدّ أملهم الأكبر حالياً في الاستمرار بالحياة مع تراجع عمل القلب وتوقف أجزاء منه عن العمل وموت العضل والأنسجة تدريجاً. إلا أن عملية زرع القلب تعدّ من العمليات المعقدة اليوم، والتي تترتب عليها عوارض جانبية واسعة وتحتاج إلى فترات طويلة من التعافي ولا تعود من بعدها الحياة إلى سابق عهدها مع تراجع الإمكانات الجسدية للمريض.

يشكل هذا الخرق العلمي أملاً كبيراً لملايين المرضى


غير أن الاكتشاف الأخير الذي نشر في مجلات بحثية طبية الأسبوع الماضي يعدّ خرقاً نوعياً لأنه يقدم مقاربة جديدة لمرضى فشل القلب البالغ عددهم حوالى 41 مليون إنسان في العالم. وقد وصفه العلماء الذين قاموا به بأنه عبارة عن تطوير في عمل القلب الطبيعي عبر إعادة تطبيق عمله هو وليس عبر التدخل فيه. فبدلاً من مضخات الدم التي تمتد أنابيبها داخل الجسد وخارجه للمراقبة، والتي قد تسبب التخثر والجلطات نتيجة اتصالها المباشر بالدم، وبدلاً من عملية زرع قلب بديل، تقدم هذه التقنية حلاً أقل كلفة وأضراراً جانبية ومخاطر مثل الجلطة. وبينما يحتاج المرضى الذين تجرى لهم عمليات زرع هذه الأدوات إلى تعاطي كميات من الأدوية المسيلة للدماء لمنع الجلطات، لا تحتاج هذه التقنية إلى أدوية مشابهة لأنها لا تتضمن تدخلاً في القلب أو تداخلاً مع شرايينه ولا تعدّ الجلطة من عوارضها الجانبية.
تزرع هذه الكف الروبوتية الناعمة حول القلب لتحيط به بالكامل تماماً كقبضة اليد، ولا تتصل أبداً مع مجرى الدم ولا تتدخل به، ما يعفيها من العوارض الجانبية التي تطلب تسييل الدم. تصنع هذه الكف من مواد سيليكونية تشبه إلى حد بعيد تركيبة العضلات والأنسجة البشرية، ما يجعلها متآلفة مع أنسجة القلب. يتم تثبيتها من خلال بضع قطب، وتتمتع بمرونة عالية، ما يمكنها من التكيف مع حجم القلب. تستعمل هذه الكف ضغط الهواء كي تقلد في عملها نبضات القلب، فتنقبض "العضلات السيليكونية" تماماً كانقباض عضل القلب لتصبح هي المشغل للقلب بدلاً من عضله التالف. أما آلية تنظيم عملها فتتحكم بها مجسات صغيرة على سطحها تقيس بشكل دائم معدلات الضغط التي تفرضها على القلب ووتيرة الانقباضات على جزءي القلب الأيمن والأيسر لتقرر بشكل أوتوماتيكي، ومن تلقاء نفسها، قوة النبض المطلوب ووتيرته. أي بمعنى آخر، يمكن اعتبار هذه التقنية مثل زراعة عضل اصطناعي نابض للقلب بدلاً من عضله التالف جزئياً. عبر هذه العملية، تتولى الكف المزروعة إدارة عمل القلب وتشغيله، وتتصرف كبديل من قلب مزروع من دون الحاجة إلى تعقيدات تلك العملية وتكاليفها وعوارضها الجانبية. كذلك يمكن تعديل قوة النبض ووتيرته والتفاصيل الأخرى المرتبطة بعمل القلب لكل حالة على حدة، ما يجعلها متناسقة مع حاجة كل مريض. ولأنها كذلك، تعطي للمريض نوعية حياة أفضل وفترة تعافٍ أقصر بعد العملية من دون الحاجة إلى تناول مسيلات الدم وغيرها من الأدوية.
جرت تجربة هذه التقنية على الحيوانات وأعطت حتى الآن نتائج واعدة. فالاختبار الأساسي تضمن إعطاء بعض العقاقير للخنازير وتعمد التسبب لها بفشل قلب حاد وصل إلى حدود تراجع عمل القلب إلى نسبة 45% فقط من طاقته. ومن ثم جرى زرع الكف الروبوتية الناعمة حول قلوبها، ما أعاد عمل القلب بنسبة 97% من كفاءته العادية، أي ما يقارب الشفاء التام من هذه الحالة المرضية. ولم يحتج الأطباء إلى حقن تلك الحيوانات بمسيلات الدم وراقبوها على فترات زمنية متباعدة، ليتبين عدم تعرضها للأعراض الجانبية المعتادة لعلاجات أمراض القلب مثل الجلطات.
هذا النجاح الكبير، الذي يعد ثورياً بكل المقاييس يمهد إلى الدخول في مراحل أكثر تقدماً من الاختبارات عبر تجربته على حيوانات أخرى وبأعداد أكبر للانتقال بعدها إلى التجارب الإنسانية للمتطوعين من أصحاب مرض فشل القلب الحاد. وهذا ما يعني أنه خلال سنوات قليلة سوف تأخذ هذه التقنية، بحال نجاح الاختبارات القادمة، حيز التطبيق وسوف تنتشر بعدها كعلاج جديد ومتقدم يمكن تطبيقه بشكل واسع حول العالم. يشكل هذا الخرق العلمي أملاً كبيراً لملايين المرضى المحتملين الذين يحلمون بعلاج يعيد إليهم الحد الأدنى من مقومات الحياة الطبيعية، وهو ما قد يصير في المتناول خلال سنوات العقد القادم.