لو قدّر للرئيس سعد الحريري أن يقِف وحده في معركة قانون الانتخابات الجديد، لكان قد كتب خطاب الهزيمة قبل حسم النتيجة. الرجل أصبح رمزاً للخسارة. لكن أن يتقدّمه النائب وليد جنبلاط في الحرب ذاتها، يعني أن يبقى لديه شيء من الأمل. في العُرف الانتخابي لم يعتد البيك السقوط. وقد كانت كل القوانين تُحاك وفق قياسه. قبل 2005 كما بعده. لكن المعادلات تبدّلت الآن، ولن يكون ما لجنبلاط له، بل سيكون له ولغيره. الحال ذاتها تسري على الحريري، حيث يواجه الرجلان خطر «زمّ» كتلتيهما النيابيتين.
قلَب انتخاب ميشال عون رئيساً الأمور. وبدلاً من أن يكتب رئيسا الحزب الاشتراكي وتيار المُستقبل القانون، بات لزاماً عليهما الاستغاثة كي لا تذهب كتلتاهما «فرق عملة» في العهد الجديد.
حتّى الآن، لم يخرج الرجلان من دائرة الخطر، لكنهما في الوقت ذاته لم يلامسا المنطقة الحمراء، ما دامت الاجتماعات الرباعية التي يعقدها ممثلو تيار المستقبل وحزب الله والتيار الوطني الحر وحركة أمل مفخخة بالعديد من الألغام، وما ينقل عنها لا يعدو كونه تفاؤلاً كلامياً من دون أي تقدّم فعلي. مقابل ذلك، تتنبّه بعض المكونات السياسية الوقوف على خاطر جنبلاط، فتكتب الصيغ وتُمحى، ومن ثمّ تُعاد كتابتها، وكأن المقصود أن يكون نصف القانون لمصلحة جنبلاط ونصفه للآخرين، أو العودة إلى الستين بشكل مقنّع. وفي الحالتين، سيكسب جنبلاط، وبطبيعة الحال سيكسب معه الحريري. لكن هل يُمكن القول إنهما أقرب إلى الضفة الآمنة؟
قد يكون جنبلاط والحريري قد كسبا جولة، مع الحكم على قانون الوزير جبران باسيل بالإعدام. خصوصاً أن صيغته تقضي في قضاء الشوف، الذي يضم 8 نواب، إدراج مقعد واحد للطائفة الدرزية على الأساس الأكثري، فيما المقاعد السبعة الأخرى على النظام النسبي. وفي عاليه، القضاء الذي يضم 5 نواب، إدراج مقعد درزي واحد على الأساس الأكثري، فيما المقاعد الـ4 الأخرى على الأساس النسبي. وبالنسبة إلى بيروت الثانية 4 مقاعد على أساس النسبية، وفي بيروت الثالثة 5 مقاعد على أساس النسبي ومثلها على أساس الأكثري، وهو الأمر الذي يرفضه جنبلاط والحريري بنحو قاطع. لكن للمعركة جولات أخرى سيمارس خلالها الطرفان في كل مرّة الضغط لإدخال تعديلات على أي صيغة كي تصير مقبولة منهما.
وقد تكون معركة الانتخابات النيابية لكل من جنبلاط والحريري معركة حياة أو موت. هما سارا نحو التسوية الرئاسية بالإكراه، وشعرا بأن دورهما آخذ في التقلّص. وفي حال تحقيق أول إنجازات العهد، فإنهما بذلك، سيعودان إلى حجمهما الطبيعي. في مكان ما، فإن الخسارة بالنسبة إلى هذا الثنائي ستنعكس على مستويين: الأول وطني، والثاني مسيحي. كيف؟
بعد التحالف العوني ــــ القواتي شعر الحريري وجنبلاط معاً بأن دورهما الوطني في المعادلة الجديدة أقل تأثيراً. فجنبلاط الذي كان يلعب دور بيضة القبان بين فريقي 8 و14 آذار، ظهر على هامش التسوية. وهو الواقع نفسه الذي يعيشه الحريري مع انكفاء الدور السعودي وأزمته المالية والشعبية. وأمام انهيار هذا الدور الوطني، أصبحت المخاوف أكبر من أن يتراجع حجم كتلتيهما النيابيتين. ففي ظل إصرار مسيحي كبير على تصحيح الخلل، سيتراجع الحضور الجنبلاطي مع فقدانه النواب المسيحيين، وسيفقد «المستقبل» صفة التيار العابر للطوائف. يتمسّك الحريري وجنبلاط بقانون الستين، لأن أي قانون جديد سيعيدهما إلى الحياة السياسية كلاعبين ثانويين، وإذا لم يكُن كذلك، فقانون يراعي وضعهما، وإلا! على التيار الوطني الحر والقوات اللذين يريدان الحصول على النواب المسيحيين من دون مشاركة أحد أن يدركا أن يد جنبلاط والحريري ليست خالية من الأسلحة. بحسب مصادر الطرفين، «قد يضطر هؤلاء إلى اتباع أسلوب الوزير باسيل الذي اعتاد التهديد بالميثاقية لإفشال كل ما لا يريده، إذا شعرا بأن عون ذاهب في المواجهة حتى النهاية». وهذا الموضوع «ليس مزحة» بحسب المصادر، لأن «عدم الاتفاق يعني فتح مواجهة يُمكن أن تصل إلى حدّ تغيير النظام وحلّ البرلمان»، بل أكثر من ذلك، يُمكن أن «تبدأ المواجهة دستورياً وتنتهي في الشارع، فهل يتحمل أي طرف هذه المغامرة»؟ تسأل المصادر.