الرسالة السياسية التي أوصلها النائب وائل أبو فاعور، خلال زيارته الأخيرة للرئيس سعد الحريري، واضحة: «لحمنا لا يؤكل». كلام نائب الحزب الاشتراكي أتى رداً على صيغة مشروع القانون المختلط.
وهو يصيب في الدرجة الأولى ثنائي التيار الوطني الحر ــ القوات اللبنانية الذي تُنسب إليه مشاريع «لا تأخذ في الاعتبار خصوصيتنا»، كما صرّح أبو فاعور سابقاً لـ»الأخبار».
بعد مجازر عام 1860، وثورة الـ1958 التي قادها كمال جنبلاط ضدّ الرئيس الراحل كميل شمعون، وتصدّي جنبلاط عام 1975 لرغبة الأحزاب اليمينية في تصفية الوجود الفلسطيني في لبنان ومحاولته تحقيق مشروعه لتغيير نظام الحكم، يبدو أنّ المواجهة السياسية بين الساسة الموارنة والساسة الدروز تُطل من جديد من بوابة قانون الانتخابات النيابية. لم تعد القصة محصورة بالقانون، هي معركة عدم فقدان التقدمي الاشتراكي لهويته كـ»زعيم الدروز» على يد «المسيحي القوي» رئيس الجمهورية ميشال عون. وهنا الشقّ الثاني من الخلاف. آل جنبلاط لا يستسيغون الزعماء الموارنة الأقوياء.
في خلوةٍ مع مشايخ دروز عام 2009، جرى تسريب مضمونها، تحدّث جنبلاط عن «تاريخ بيت جنبلاط مع المسيحية التقليدية التي تقف مع بيت جنبلاط، وتاريخ بيت جنبلاط، وتاريخنا المشترك مع التقليدية المسيحية التي لا تقف معنا. عندما تريد السير مع سمير جعجع ومع آل شمعون، هذا الحلف هو ضد الطبيعة، لكن عندما تسير مع آل البستاني، وغير آل البستاني، فهذا حلف مع الطبيعة». قبل ثماني سنوات وفي الخلوة نفسها، كان يُمكن جنبلاط أن يصف الموارنة بـ»الجنس العاطل» من دون أن يرّف جفن لأي من القوى التي تحمل اليوم همّ الحفاظ على كتلته النيابية المنفوخة. ولكن، منذ انتخاب عون تبدلّت الموازين. شاغل كرسي بعبدا رجلٌ يرفض أن يُقدم الولاء إلى المختارة أو إلى أي مركز سياسي آخر. يسند عون ظهره إلى حليفه الأول حزب الله، الذي تحول من مقاومة محلية إلى لاعب إقليمي أساسي. ويقف إلى جانب رئاسة الجمهورية حالياً رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، العدو التاريخي لجنبلاط. عون يتقدّم وينفتح على الدول العربية مع حفاظه على اقتناعه بعدم جدوى رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، في حين أنّ جنبلاط منذ عام 2008 ينكفئ أكثر فأكثر على نفسه. كلّ عوامل القوة اجتمعت في شخص عون، ما من شأنه أن يستفز جنبلاط. الأزمة بلغت ذروتها بعد أن صدّق القاضي طنوس مشلب (من الشوف، ومرشح عون سابقاً لرئاسة مجلس القضاء الأعلى) على قرار إخلاء سبيل بهيج أبو حمزة الذي يريد زعيم المختارة إبقاءه في السجن أطول مدة ممكنة.
ما تقدّم تنفيه مصادر قيادية في الاشتراكي، مؤكدة أن الخلاف مع عون «له علاقة بالتوجه السياسي على مستوى البلد وأهمية الحفاظ على الصيغة الحالية. وإذا كان هناك من مشروع لتغييرها، فليُطرح ذلك بشكل واضح».

يبدو أنّ المواجهة التاريخية بين زعماء الموارنة والدروز تُطلّ من بوابة قانون الانتخاب



وصل التوتر بين زعماء الموارنة والدروز إلى مناطق النفوذ الاشتراكي، وبدأ يتفجر على صفحات التواصل الاجتماعي (حيث تُستعاد أحداث الـ1860)، وفي كلام المسؤولين الاشتراكيين الذين نقلوا المعركة إلى مكان متقدم، حتى باتت مصالحة الجبل مُهدّدة. يُنقل عن هؤلاء «تهديدهم» بأنّ إقرار قانون انتخابات لا يلحظ الخصوصية الجنبلاطية يعني أنّ «صناديق الاقتراع لن تدخل إلى مناطقنا، من دير العشائر إلى نيحا ومن كفرسلوان إلى باتر. فما نتعرّض له هو حرب إلغاء». ولكن بحسب مصادر مطلعة على الجو الاشتراكي، فإن «مقاطعة الدروز للانتخابات تختلف عن المقاطعة المسيحية. في هذه المرحلة لن يتجرأ أي فريق على إجراء الانتخابات من دون مكوّن أساسي».
لا تخفِ مصادر قيادية في الاشتراكي «ملاحظتنا لتجدّد الصراع بين الموارنة والدروز، ووليد جنبلاط يُشدد في كلامه على ضرورة النقاش، لأننا نرى الأرض إلى أين تتجه». لا يفوّت الرئيس الاشتراكي مناسبة إلا ويذرّ الرماد في عيون الدروز. يوحي لهم بأنّ «الآخر» يضع مشاريع قوانين انتخابية تريد إلغاء مذهبهم، فيؤجّج الشعور بالغبن. ولكن بالنسبة إلى مصادر الحزب «كل ما يحصل نتيجة خطاب الآخر»، الذي عليه مسؤولية «مراعاة الشارع الدرزي، لأننا نقوم بكل ما في وسعنا لضبط الأرض».
هل ستفرض المعطيات الجديدة انتهاء مفاعيل مصالحة الجبل؟ هدف الاشتراكي «الحفاظ على مصالحة الجبل. خلال جولاتنا على القيادات السياسية، وقبل أن نتكلم بالأمور التقنية، كنا نخبرهم أننا دفعنا لتحصل المصالحة ولا نريدها أن تنتهي تحت أي عنوان». حالياً، لا يزال الكباش «محصوراً بوسائل التواصل الاجتماعي، وفي النتيجة القيادة تقود الشارع وليس العكس. وإذا لم يتغيّر مسار البحث عن قانون للانتخابات سيكون لنا توجهات سياسية مغايرة. ومن يفترض أننا ضعفاء سياسياً وشعبياً يكن متوهماً». تعيد المصادر التذكير بأنّ جنبلاط لم يقف ضد اتفاق معراب أو التسوية الرئاسية، «وأبلغ الرئيسين عون والحريري أنه سيكون مُسهّلاً». ولكن، «من يقرأ التاريخ، وتحديداً ثورة الـ1958، يعيد النظر في الأمور». تتنقل المصادر بين السطور، فهي تارةً تُهدّد وتارةً أخرى تدّعي أنها لا تريد «أن نوتر الأجواء، ورغم كل شيء لم تصدر عنا كلمة تحريضية واحدة. خطاب الخصوصيات يعني استنفار كل طائفة ضد الأخرى».
من الأمور التي يعيبها الاشتراكي على الفريق الآخر هي أننا «أولاً اتفقنا في اتفاق الطائف على أن نتوقف عن تعداد حجم كل طائفة. هذه اللعبة لا تضم طوائف كبيرة وأخرى صغيرة». والنقطة الثانية هي أنّ «الكل يتمسك بالتركيبة الطائفية والمذهبية، فيما يمنعون ذلك عنا». حدّد الاشتراكي خياراته للمرحلة المقبلة في حال لم تؤخذ «هواجسه» في الاعتبار، أبرزها المقاطعة، فـ»كيف سيُنظّمون الانتخابات عندئذ؟».




الرئيس للبيك: عم تاخد حقك وزيادة

صوّب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على النائب وليد جنبلاط من دون أن يُسمّيه، فانتقد في حديث له أمس مَن «قال حدودكم هنا ولا يُمكن أن تتخطوها ولحمي لا يؤكل. أنا أسأل: مين عم ياكل لحم الآخر؟ عم تاخد حقك وزيادة».
ثمّ شرح أنّ «الأزمة تكمن في أن كل واحد يريد أن يسحق الأقلية الموجودة في طائفته لأنه لا يريد لها أن تتمثل، ويريد أن يمد يده إلى جيب الآخر كي يشلحه عدداً من المقاعد، وهذا لا يعمّر وطناً. لذلك، إنني مصمّم على المواجهة». وأضاف في السياق نفسه «إن القوانين التي تحرم بعض الأقليات حقوقها ستؤدي إلى الهجرة الداخلية، وهكذا يفرز المجتمع اللبناني إلى كانتونات طائفية، بينما القانون الأرثوذكسي الذي اتُّهم بأنه طائفي هو ليس بالفعل كذلك، بل يحافظ على العيش المشترك ويبقي الجميع في مناطقهم، لأن أصواتهم تصبح مؤثرة. في أي حال نحن لسنا متمسّكين بهذا القانون بقدر تمسّكنا بإنجاز قانون عادل يحقق التمثيل الصحيح».