كيف سيتصرّف الرئيس سعد الحريري مع مواقف الرئيس ميشال عون في شأن سلاح حزب الله وسوريا؟ وهل تمرّ «الشرعية» التي يُضفيها رأس الدولة اللبنانية على «السلاح غير الشرعي» مرور الكرام عشية ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري؟
لم تخالف مواقف الرئيس في حديثه إلى قناة «سي بي سي» المصرية ما كان يقوله عن المقاومة قبل الرئاسة، وهي تعكس «العروة الوثقى» التي لا تزال تجمع الحليفين (عون وحزب الله) منذ توقيعهما وثيقة التفاهم في شباط عام 2006. لكنها، بالنسبة إلى جمهور المستقبل، أشبه بصاعقة بعدما وجد نفسه مخدوعاً مرّة جديدة، بعدما حاول «العُقلاء» في التيار الأزرق ترويج أنّ وصول عون بمساعدة حريرية إلى كُرسي الرئاسة سيحرّره من التزاماته تجاه المقاومة. وينتظر هذا الجمهور خطاب الحريري اليوم ليبني على الشيء مقتضاه.
كلام عون يزيد في معاناة الحريري ويفتح في وجهه وكر «الدبابير» الذي سيتخذ من كلام عون ذريعة للتشكيك في صوابية خيارات رئيس الحكومة الذي لم يكُن يتصور في أسوأ كوابيسه «صفعة» رئاسية قد تكون سبباً جديداً لتشرذم مستقبلي إضافي.

انشغل «المستقبل»
في البحث عن إدخال بعض التعديلات على خطاب الحريري اليوم

«طالما هناك أرض محتلة من إسرائيل، وطالما الجيش ليس قوياً كفاية ليحارب إسرائيل، فنحن نشعر بضرورة وجود سلاح المقاومة ليُكمل سلاح الجيش». يستطيع بعض المُستقبليين الذي يخفون «ندمهم» على انتخاب ميشال عون، وضع هذا الكلام الرئاسي في خانة «إطلاق المواقف على الطريقة العونية» للتخفيف من وطأته. يعود هؤلاء إلى ما قاله عون إلى قناة «العربية» منذ نحو شهر عن أن «قرار مشاركة بعض الأطراف اللبنانية في الحرب السورية لم يكن خيار الدولة، وأنه ليس مع هذا الخيار». يرون أنها أتت في سياق «إرضاء المملكة العربية السعودية التي اختارها عون وجهة أولى لجولته الخارجية». قد يعتقد رئيس الجمهورية أنّ «سياسة الضرب على الحافر مرة، وعلى المسمار مرّة أخرى، تجعله على مسافة واحدة من الجميع»، بحسب المستقبليين. لكنه على الأرجح «لا يعرف الوسطية ولا يقدر عليها»! وقد يكون أكثر ما يثير غيظ التيار حالياً هو أنّ «الرئيس الحريري رهن مستقبله السياسي وعلّقه على خشبة بعبدا». في المقابل، «لم يتنبّه عون إلى أن ما يقوم به يخدم خصوم الحريري». في خلفية المستقبليين قناعة راسخة أساسها أنّ «التكامل وطنياً بين الرئيسين عون والحريري يساعد الأخير على تعويم نفسه داخل بيئته. وبقدر تصادمهما، يتراجع رئيس تيار المستقبل خطوة إلى الوراء». وبناءً عليه، تتوقع مصادر مستقبلية «ارتفاع أصوات كل الذين عارضوا الحريري واعتبروا أن خياراته انهزامية»، كما سيزيد ذلك من «ضغط الشارع عليه».
لا شك في أن كلام الرئيس عون هزّ الحريري وأربكه، كما يوحي المستقبليون. ولا يبدو أن لديه اليوم متسعاً للتفكير، وهو المحصور بين خيارين، أحلاهما مرّ: عدم الردّ على تصريحات عون بالمباشر، وهذا يعني خسارة جزء إضافي من شعبيته. أو المواجهة من أجل التعويض داخل بيئته، ما يعني الدخول في مسار معقّد سينعكس اشتباكاً سياسياً بين الرئاستين، في مشهد متكرّر لحكومة الرئيس رفيق الحريري في عهد الرئيس السابق إميل لحود. والخياران سيّان، في نظر تيار المستقبل، لأن النتيجة واحدة: «المزيد من الانزلاق والخسارة. فالمواجهة مع عون لها ثمن، وكذلك المواجهة مع الشارع».
الحلّ الوحيد الذي انشغل تيار المستقبل أمس في البحث عنه هو إدخال بعض التعديلات على الخطاب الذي سيُلقيه الحريري اليوم في ذكرى 14 شباط. إذ يُمكن أن يهرب الحريري من المواجهة المباشرة مع عون، بتكرار موقفه من الصراع الإقليمي، وإضافة فقرتين باتتا ملحّتين «كان يُمكن تجنّبهما لولا تصريحات عون»، يغلف فيهما الحريري ردّه على رئيس الجمهورية، فيرفع في الأولى سقفه ضد الحزب وسلاحه وقتاله في سوريا، ويؤكّد في الثانية مواجهة النظام السوري، عبر الرفض المطلق لما طرحه الأمين العام السيد حسن نصر الله بشأن التعاون مع الحكومة السورية لمعالجة أزمة النازحين السوريين إلى لبنان.