في اللقاء الشهري بين مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف وجمعية المصارف، المنعقد أمس، تولى رئيس الجمعية، جوزف طربيه، شرح أسباب رفض المصرفيين للإجراءات الضريبية التي تصيب أرباحهم في مشروع قانون موازنة عام 2017، المعروض أمام مجلس الوزراء.
استند في شروحه إلى مذكرة رفعتها الجمعية الى وزير المال علي حسن خليل، وسلّم نسخة منها الى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، متمنياً عليه "التعاون"، نظراً "لما قد تؤدي اليه هذه الاجراءات، إذا أُقرّت، من مخاطر نظامية على شريحة واسعة من المصارف ومن انعكاس سلبي على الاستقرار النقدي"، بحسب ما ورد حرفياً في محضر اللقاء (تعميم رقم 049/2017 بيروت في 16 شباط 2017)، الذي ورد فيه أيضاً أن سلامة "وعد بمتابعة الامر مع المسؤولين في موازاة تحرّك الجمعية على هذا الصعيد".
شروح طربية، المدوّنة في هذا المحضر، كما شروح الجمعية في مذكرتها، يصح فيها قول المثل الشائع: "وعلى نفسها جنت براقش". فقد توقف طربية عند "ثلاث نقاط رئيسية" اعتبرها تنم عن إجحاف وتمييز ضد المصارف!
أولاً- شكا طربيه ممّا تسميه الجمعية "الازدواج الضريبي" في الاجراءات المقترحة، إذ إن المصارف ستكلّف بضريبة الفوائد (التي يقترح مشروع الموازنة رفعها من 5% الى 7%) ثم ستكلّف مرّة ثانية على الارباح. ورأى طربيه "أن الارباح هي فوارق فوائد"، موضحاً أن المصارف تقوم حالياً باقتطاع الضريبة على الفوائد ثم تقوم بتنزيلها من ضريبة الارباح، "لأن طبيعتها سلفة على الضريبة"، برأيه، ما يعني بكلام أبسط، أن المصارف تريد أن تبقى معفاة من موجبات الضريبة على الفوائد التي يسددها المودعين، وهو ما يفوّت نحو 150 مليون دولار على الخزينة العامة سنوياً.
ثانياً- شكا طربيه من أن تكليف المصارف بالضريبة على الفوائد ينطوي على "تمييز" بين المصارف من جهة وسائر المؤسسات الاخرى من جهة ثانية! وشرح طربيه أن المؤسسات الاخرى (غير المصارف) ستكلّف بمعدل الضريبة على الارباح (التي يقترح مشروع الموازنة رفع معدّلها الاقصى من 15% الى 17%)، فيما ستكلّف المصارف أضعاف هذا المعدّل! وهذا غير صحيح اطلاقاً، إذ إن المادة 51 من القانون 497 تاريخ 30/1/2033 التي فرضت الضريبة على الفوائد بموجبها، لم تميّز بين المصارف وسائر المؤسسات الاخرى في كيفية احتساب هذه الضريبة وتنزيلها من الضريبة على الارباح، فهذه المادة أعفت المؤسسات المصرفية والمالية والتجارية كلّها من موجب تسديد الضريبة "إذا كانت الفوائد والعائدات والايرادات داخلة ضمن أرباح هذه المؤسسات"، بمعنى أن ما تدّعيه الجمعية لجهة التمييز غير موجود قانوناً. كل ما في الامر أن المصارف لم تعد تعمل (بنسبة كبيرة) الا في التوظيف في سندات الدين والادوات السيادية، وبالتالي يأتي القدر الاكبر من أرباحها من الفوائد على هذه التوظيفات، فمن الطبيعي أن يترتب عليها ضرائب أكبر على الفوائد من سائر المؤسسات التجارية التي تجني عائدات محدودة من توظيفاتها في هذه المجالات.
ثالثاً- شكا طربيه من أن الاجراءات المذكورة أعلاه تؤدي الى تمييز في معدلات الضريبة بين المصارف نفسها! مدّعياً ان المعدّلات ستتراوح بين 17% و76% (بعد احتساب وزن الضريبة على الفوائد والضريبة على الارباح معاً). إلا أن المفارقة جاءت على لسان طربيه نفسه، إذ أوضح أن هذا التفاوت في المعدلات بين المصارف هو "حسب حجم محافظ المصارف من سندات الخزينة وشهادات الايداع بالليرة اللبنانية وشهادات الايداع بالعملات الاجنبية"، أي بمعنى أوضح، تشكو الجمعية من أن المصارف التي تحقق كل أرباحها تقريباً من المال العام (الفوائد التي تسددها الخزينة العامة ومصرف لبنان من مال الضرائب) سيتوجب عليها دفع ضريبة أكبر. أليس هذا ما يجب أن يكون عليه الواقع؟ أليس هذا ما يصبّ في منطق العدالة الضريبية والمساواة؟ هناك مصارف في لبنان لا تقوم بأي عمل سوى إقراض الدولة ومصرف لبنان، وهي تغرف حصّة معتبرة من الضرائب التي يسددها المقيمون في لبنان، وتكفي الاشارة إلى أن خدمة الدين العام المقدرة في مشروع موازنة 2017 تبلغ 7100 مليار ليرة، أي نصف إيرادات الموازنة تقريباً، وهو ما يعدّ عملية تحويل قسم من ثروة المجتمع الى عدد محدود جداً من الاشخاص، في مقدمهم أصحاب هذه المصارف.

جمعية المصارف ترى أن تكليفها بالضريبة يخالف قواعد العدالة والمساواة بين المكلفين

إلا أن طربيه لا يرى المسألة على هذا النحو، إذ يقول، بحسب المحضر المذكور، إن استعادة جزء من المال العام وإعادة توزيعه على المجتمع يشجّعان "على عدم الاكتتاب بمديونية الدولة بالليرة، ما يخلق تنافساً غير مشروع ضد مصلحة الليرة". بعيداً عن المساجلة في صحّة هذا "الاستنتاج" من عدمه، فإن طربيه، من دون قصد طبعاً، فتح الباب أمام فضيحة سُجّلت في عام 2004، عندما قام وزير المال آنذاك، فؤاد السنيورة، بتعديل القانون 497 بقرار صادر عنه بموافقة مجلس الوزراء، هو القرار 665/1، الذي أعفى الفوائد على سندات الدين بالدولار (يوروبوندز) من موجب الضريبة على خلاف ما جاء في نص القانون لجهة عدم التمييز بين العملات. إن ما يتذرّع به طربيه للتهويل من تداعيات تحصيل الضريبة على الفوائد على سندات الدين بالليرة وشهادات الايداع يمكن أن ينقلب عليه في حال قرر وزير المال الحالي إلغاء هذه المخالفة الفاقعة وإلغاء قرار السنيورة بقرار مماثل، إذ لا يوجد أي تبرير لإعفاء الفوائد على اليوروبوند من الضربية.
ما ورد في محضر اللقاء الشهري، يرد بالتفصيل في المذكرة التي تسلمها سلامة وقبله خليل. مضمون هذه المذكرة (التي حصلت عليها "الأخبار" وتنشرها للإفادة) يكشف بوضوح طبيعة المصالح التي تقف ضد أي إصلاح في النظام الضريبي، فالمصارف حققت في العام الماضي أرباحاً متكررة تفوق 2100 مليون دولار، معظمها من المال العام، إضافة الى نحو 6 مليارات دولار كأرباح استثنائية نتجت من عمليات مصرف لبنان تحت اسم "الهندسة المالية"، التي بلغ العائد عليها نحو 39% وسطياً، وهو عائد مرتفع بكل المقاييس، ولم تترتب عليه أي ضريبة، ما دفع الى المطالبة بتكليف المصارف بضريبة استثنائية على أرباحها الاستثنائية، وهذا ما تخشاه جمعية المصارف أيضاً.
أعدّت المذكرة بموجب قرار مجلس إدارة جمعية المصارف، المنعقد بتاريخ 15/2/2017، وهي لا تراوغ، إذ تدخل مباشرة في الموضوع، وتقول إن ما يعنيها ليس رفع معدل الضريبة على القيمة المضافة 1% وعلى الفوائد 2% وعلى أرباح الشركات 2%، فهي "ليست إلا المشهد السطحي لحقيقة الزيادات الأخرى المقترحة التي تصيب المصارف"، ما يعنيها فعلياً ويثير غضبها هو طرح إلغاء الإعفاءات من هذه الضرائب التي تستفيد منها المصارف منذ سنوات طويلة وتساهم في مراكمة المزيد من الارباح والرساميل. فما تعترض عليه المذكرة هو "تغيير طريقة احتساب الأرباح الخاضعة للضريبة".
="" title="" class="imagecache-2img" />
للصورة المكبرة انقر هنا
تبرر المذكرة رفضها لزيادة الاقتطاعات الضريبية من أرباحها وإلغاء الإعفاءات التي تحظى بها بتصوير واقع مأزوم، إذ جاء فيها:
"يواجه القطاع المصرفي في لبنان العام المقبل استحقاقات داهمة ذات تأثيرات مصيرية عليه وعلى البلد، أهمها:
ــ وجوب تأمين رساميل إضافية للمصارف تنفيذاً لموجبات بازل 3.
ــ استمرار التصاعد في عجز المالية العامة وانعكاس المديونية العامة الكبيرة على ملاءة المصارف، وتصنيف لبنان الائتماني، وازدياد المخاطر السيادية التي سبّبت تدهور ميزان المدفوعات اللبناني نتيجة الشحّ في تدفق الرساميل بهذه الظروف.
ــ مخاطر تصاعد تأثير موجة العقوبات الدولية على القطاع المالي انعكاساً لاستمرار الصراع في المنطقة.
ــ تأثيرات إلغاء السرية المصرفية على تدفق ودائع المغتربين وغير المقيمين إلى مصارف لبنان نتيجة البدء بتطبيق معاهدة التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية التي انتسب إليها لبنان في نهاية عام 2016.
ــ التراجع في نوعية محفظة ديون القطاع الخاص لدى المصارف نتيجة الأزمة الاقتصادية وانخفاض معدلات النمو، واضطرار المصارف إلى جدولة الكثير من الديون وتكوين مؤونات لمواجهة خسائرها وتأثير ذلك على معدلات ملاءتها".
لا شك في أن المطلعين سيقفون مذهولين أمام هذا التبرير، ليس لأن جمعية المصارف تكرر بذلك مقولة ان المجتمع عليه أن يتحمل كلفة فشل المصارف وخسائرها، أي أن يكون المجتمع في خدمة المصارف وليس العكس، بل لأن المذكرة تتغافل كلياً "الهندسة المالية" التي ينفّذها مصرف لبنان منذ العام الماضي، والتي حوّلت من المال العام الى المصارف نحو 6 مليارات دولار من الارباح الاستثنائية حتى الآن، وكانت حجّتها دعم المصارف لمواجهة هذه الاوضاع تحديداً، ولا سيما إطفاء خسائر بعضها في الخارج وتغطية ديون عاطلة ودعم رساميل المصارف. ماذا تخبرنا المذكرة؟ ان على المجتمع أن يسدد المزيد لها؟ من أجل ماذا؟
لا تكتفي المذكرة بذلك، بل تزعم أن "القطاع المصرفي اللبناني، في الغالب، واجه هذه المتطلبات بإمكانياته الذاتية التي بلغت مؤخراً خطّ الاستنزاف، وأصبح الوضع يتطلب نظرة حذرة لمجريات الأمور، سواء لاستمرار قدرة القطاع المصرفي اللبناني على تلبية حاجات الدولة المتصاعدة من الديون، وفي المقابل كيفية مقاربة الدولة لموضوع حماية النظام المالي ليبقى متمتعاً بالمؤشرات المالية الدولية التي تتيح له استمرار التعامل مع المصارف المراسلة وليبقى جاذباً للرساميل والاستثمارات، وهو أمر حيوي لا يبدو أن ضرائب الموازنة المقترحة على القطاع المصرفي قد راعته، بل على العكس أتت نصوصها جائرة بحق القطاع، وبصورة تمييزية تتعارض مع مبدأ المساواة أمام الضريبة". مجدداً، كيف واجه القطاع المصرفي بإمكانياته الذاتية؟ لماذا فرض علينا مصرف لبنان أن نسدد 6 مليارات دولار أرباحاً استثنائية للمصارف في العام الماضي وحده؟
في الحصيلة، تطلب جمعية المصارف في مذكرتها "استبعاد النصوص الضريبية الواردة في مشروع موازنة 2017 التي تتناول القطاع المصرفي بشكل انتقائي، لما تلحقه من ضرر فادح بالمصارف والسوق المالية في لبنان". وتختم "إن الزيادات الضريبية المرتفعة المقترحة بحق مصارف لبنان، تخالف قواعد العدالة والمساواة بين المكلفين (...) وتؤدي إلى كلفة ضريبية فاحشة غير معتمدة في أي بلد، الأمر الذي يخلق مشكلة فعلية ليس للمصارف فقط، إنما لصدقية لبنان وسمعته المالية".
صحيح ما يقوله المثل عن أن الذين "استحوا ماتوا".
(الأخبار)




ملحق حول الزيادات الضريبية على المصارف في مشروع موازنة 2017

أرفقت مذكرة جمعية المصارف بملحق حول الزيادات الضريبية التي تصيب المصارف:
1ــ رفع ضريبة الفوائد (ضريبة الباب الثالث) من 5% إلى 7%.
2ــ رفع ضريبة الأرباح (ضريبة الباب الأول) على المصرف من 15% إلى 17%.
3ــ تكليف الفوائد التي خضعت للضريبة على الفوائد (7%) مرة ثانية للضريبة على الأرباح (باب أول) 17%، إذ اعتبر مشروع الموازنة ضريبة الفوائد كعبء عادي ينزل من الارباح بدلاً من احتسابها سلفة على حساب ضريبة الأرباح كما هو معمول به حالياً.
تؤدي الطريقة المقترحة في الاحتساب إلى ازدواج ضريبي يرفع معدل الضريبة الفعلية على أرباح المصارف إلى معدلات ضريبية تتراوح بين 17% و76% (تبعاً لنسبة توظيفات المصرف في سندات الخزينة اللبنانية)، وذلك بدلاً من ضريبة الشركات المقترحة البالغة 17%. كما تشكل هذه الطريقة في الاحتساب تمييزاً بين فئات المكلفين وخرقاً لمبدأ دستوري ولتشريعات ضريبية مستقرة منذ عشرات السنين، فالمصارف هي في القانون العام شركات مساهمة شأنها في ذلك شأن سائر شركات القطاع الخاص ويتوجب إخضاعها لمعدل ضريبة واحد.
كما تؤدي هذه الطريقة في الاحتساب إلى خرق المساواة بين المصارف نفسها، إذ تؤدي إلى أعباء ضريبية غير واقعية وغير محتملة على بعض فئات المصارف، خاصة تلك التي تحمل في محافظ توظيفاتها نسبة عالية من سندات الخزينة وشهادات الإيداع المحررة بالليرة اللبنانية، ما يعدّ ذلك تمييزاً غير مبرر بين الليرة، أي العملة الوطنية التي أخضعت للضريبة، والعملات الأخرى، ما قد ينعكس سلباً على الليرة في سوق القطع.
4 ــ زيادة معدل الضريبة على ربح التحسين (المادة 45 من قانون ضريبة الدخل) من 10% إلى 15%.
5ــ كما تلحق بالمصارف الضرائب الأخرى المستحدثة بموجب مشروع الموازنة التي تصيب بقية الشركات، وهي:
ــ إخضاع الأبنية لضريبة الأملاك المبنية بمعدل 2%، بينما القاعدة المعتمدة حالياً أن تخرج أبنية المؤسسات التجارية عن نطاق ضريبة الأملاك المبنية.
ــ زيادة رسم الطابع المالي من 3 بالألف إلى 4 بالألف.
ــ زيادة معظم الرسوم بما فيها الرسوم على معاملات كتّاب العدل.
6ــ تضاف إلى ما تقدم ضريبة توزيعات الأرباح البالغة حالياً 10% من الأرباح الموزّعة.