«هل تصالح شامل روكز مع قيادة القوات اللبنانية؟». السؤال طُرح كثيراً في بلدات قضاء كسروان ــ الفتوح عقب توجه العميد المتقاعد إلى مدينة بشري لتقديم التعازي بوفاة والدة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. المناسبة التي ألمّت بجعجع الأسبوع الماضي حزينة بالتأكيد، إلا أنّ وفاة والدته والتعازي بها حرّكتا مياه الانتخابات النيابية الراكدة في انتظار إقرار قانون الانتخابات الجديد.
وكما لم يكن من الممكن الفصل بين تقديم رئيسة الكتلة الشعبية ميريام سكاف التعازي لآل جعجع والاستقبال الذي حظيت به عن محاولات القوات عقد مصالحة معها قبل الانتخابات النيابية، كذلك لا يُمكن التعامل مع خطوة روكز بوصفها «واجباً اجتماعياً» لا أكثر. من يعرف القائد السابق لفوج المغاوير فوجئ برؤيته يصل إلى بشرّي برفقة رئيس اتحاد بلديات كسروان، رئيس بلدية جونية، جوان حبيش.
يفصل روكز في حديثه دائماً بين قيادة معراب التي لا يوجد تواصل معها، وعلاقته الجيدة بالقاعدة القواتية. «نقطة قوته» التي تُميّزه سياسياً، في وقت لم ينكشف فيه بعد خطابه وبرنامج عمله السياسي، هي حفاظه على «مسافة شرعية» مع جعجع. فإضافةً إلى تاريخه العسكري وعامل القربى مع رئيس الجمهورية ميشال عون، لعب خلاف روكز مع القوات دوراً أساسياً في تماهي القواعد الكسروانية معه، التي لم تستسغ بعد التحالف بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. وفي مكانٍ ما، كان يُمكن قيادة التيار، لو أرادت، أن تتسلّح خلف موقف العميد المتقاعد حتى تتفلّت من ترشيح قواتي على اللائحة. مثّل روكز لهذه الفئة من الناس «الخيار البديل»، الذي يصبّ في الوقت نفسه لصالح التيار العوني لا البيوتات الكسروانية التقليدية أو حزب الكتائب و»جوّ» فريق 14 آذار. وفي الوقت نفسه، لم يُعارض المصالحة بين التيار الوطني الحر والقوات، بل تحفظ على الطريقة التي حصلت بها. فإذا كان هدفه من زيارة بشري التماهي مع «الجوّ الشعبي» المرتاح لثنائية «التيار ــ القوات»، يكون روكز قد وصل متأخراً جداً، بعد أن شقّ غيره الطريق. أمرٌ مفاجئ أن يواسي روكز جعجع، لأنّ قائد المغاوير نفسه كان يُبلغ سائليه أنه سيُقاطع المؤتمر التنموي الأول الذي دعت إليه القوات في معراب، وتأجل بسبب وفاة والدة جعجع.

الزيارة من وجهة
نظر روكز واجب اجتماعي لا يستأهل أن يُحمّل أبعاداً أخرى


لم يكن أحد سيعتب على روكز لو أنه لم يتوجه إلى بشرّي، وبالتأكيد إن تداعيات إحجامه عن تقديم التعازي، في حاول وُجدت، ستكون أخف وطأة من رؤيته يُصافح جعجع تحت نظرات النائب السابق منصور البون وابتساماته. فمن يتكبّد مجهوداً للانتقال مسافة طويلة من المتن إلى منزل أهل الفقيدة في بشرّي يعني أنّه «يُكرِمهم»، وإلا كان بالإمكان اختصارها بزيارة رسمية إلى المقر الرسمي للقيادة القواتية. الترجمة سياسياً هي تفريغ خطاب روكز السياسي ضدّ القوات، بحسب سياسيين عونيين وناشطين مؤيدين لروكز. يقول هؤلاء إنه لم يعد بإمكانه أن يرفع سقفه بأنه لا يريد مرشحاً قواتياً حزبياً في كسروان أو أن يُحجم عن اللقاء مع جعجع في معراب. وبعد أن كان الأخير يُحاول طيّ صفحة الخلاف مع روكز نهائياً من دون أن ينجح، قدّم له «العميد» هذه الخدمة مجاناً.
ربما لم يكن العسكري السابق يحسب أنّ خطوته «الاجتماعية» ستتسبب في كلّ هذا الأخذ والردّ، وخاصة بين عدد من مناصريه الكسروانيين الذين وصفوها بـ»خيبة الأمل وتطويق لحركة العميد السياسية». فهل وجد روكز أنه لا مناص من مقارعة القوات كسروانياً لأنها ستكون حُكماً ممثلة على أي لائحة يرأسها في الانتخابات النيابية المقبلة، في ظل إصرار جعجع، حتى الساعة، على ترشيح شوقي الدكاش؟ والأخير، بحسب المعلومات، كان يتمنى لو نسّق هو زيارة روكز إلى كنيسة مار سابا في بشرّي.
بدايةً، يُنقل عن روكز، المُنشغل بالإعداد لافتتاح مكتبه الجديد في ساحل علما (جونية) في الأيام المقبلة، أنّه «أثنى على المصالحة بين التيار والقوات، من دون أن يخفي تحفظاته على الطريقة التي تمت وفقها. ولكنه يفصل المصالحة عن التحالف السياسي في الانتخابات. الأولى لا تُحتّم الثانية». يوجد «جوّ مسيحي مرتاح للمصالحة لا يريد روكز أن يقف ضدّه ويزيد من التشنج. فوجد أنه لا مانع من زيارة بلدة بشري، حيث لديه مناصرون، لتقديم واجب اجتماعي». القصة من وجهة نظر روكز لا تستأهل أن تُحمّل أبعاداً أخرى.
المعترضون على خطوة العميد الأخيرة يُدركون أنه رجل سياسي يجب أن تكون لديه علاقات متنوعة. لكن مُشكلتهم هي «في العشوائية التي تظهر في بعض مواقفه، وتفرّده في اتخاذ القرارات». وفضلاً عن زيارة بشري، يشيرون إلى أنّه يلتقي باستمرار وزير الاعلام ملحم رياشي، ومسؤول جهاز الاعلام والتواصل في القوات شارل جبور، وهو تناول الغداء أخيراً مع الأمين العام السابق للحزب نفسه فادي سعد. ويُعلن أنه ليس في صفوف التيار الوطني الحر، ولا ينفي ما يتردد عن خلاف بينه وبين الوزير جبران باسيل، ثم يقول إن العمل النيابي الأنجح يكون من ضمن كتلة، وبالتالي سينضم إلى تكتل التغيير والإصلاح برئاسة باسيل. ويسألون: «هل يريد أن يُشكل حالة أو يكون مرشحاً يفوز بمقعد نيابي؟ هل يُرَشِّح في كسروان أم يُرَشَّح؟». الردّ «الروكزي» جاهز، «هو لاعب أساسي ولن يكون متفرجاً». هل هو من سيؤلّف اللائحة مع عون؟ «أكيد. دوره سيلعبه كما يجب، ولن يتخطى التيار العوني لأنه جزء من هذه الحالة»، يُنقل عن روكز. لا يريد أن يكون نائباً تقليدياً، «متابعته القضايا الحياتية للناس والمشاريع التي سيُقدمها بعد الانتخابات ستؤكدان ذلك». كذلك فإنّ «طموحه الوطني كبير»، بمعنى أنه يؤمن بأنه من المؤهلين «لاستكمال حالة العماد عون».
لا يزال روكز يتحفّظ على كشف أوراق تحالفاته، «فرغم الصداقات مع بعض الأشخاص، إلا أنّ القانون قد يفرض واقعاً آخر». يبدو متأكداً من اعتماد النظام النسبي، بشكل أو بآخر، في الانتخابات، «الأمر الذي سيُشكل عامل راحة لكلّ الأطراف السياسية». الشغل حالياً يتركز حول وضع اللمسات الأخيرة على عمل الماكينة الانتخابية التي يديرها غابي أبي صعب. وبعد أسبوعين تقريباً، ينتهي المشروع السياسي والإنمائي لروكز.